التدفئة بين حطب الأشجار المثمرة.. ومخلفات معامل فرز النفايات

يحمّل كميات من الحطب في شاحنته - سامر الحسيني
يحمّل كميات من الحطب في شاحنته - سامر الحسيني


التدفئة بين حطب الأشجار المثمرة.. ومخلفات معامل فرز النفايات: البقاعيون يستهلكون أكثر من 10 آلاف طن من الحطب شتاء

البقاع ـ

لم تعد تجارة الحطب في البقاع التي تزدهر سنة بعد سنة، رداً عفوياً من الأهالي على أسعار المازوت التي تكوي جيوبهم أو وسيلة «رخيصة الثمن» للتدفئة، يسعى إليها من حرمته إمكانياته المتواضعة من تأمين مؤونته الشتوية من مادة المازوت. فتخزين أطنان من حطب المشمش، والكرز، واللوز، والتفاح، والعنب في البقاع الأوسط تجاوزت مفهوم الحاجة الاستهلاكية عند ذوي الدخل المحدود، الذين يستبدلون مدافئ المازوت بأخرى على الحطب، لتتحول إلى تجارة ناشطة في عزّ موسمها الحالي، مع ازدهار وانتشار مؤسسات لبيع المدافئ الكبيرة، التي تقتنيها الفئة الميسورة من البقاعيين، والتي تحرص على بناء مواقد على الحطب في زوايا منازلها.

وتحول كثير من الأهالي في السنوات الماضية إلى الحطب كوسيلة للتدفئة، بسبب ارتفاع أسعار المازوت، فيما تحول الأغنياء إلى الحطب كوسيلة ترفيهية، غير عابئين بأسعار الحطب أو المازوت، مع العلم أن الاستهلاك المنزلي للمازوت في قرى قضاء زحلة، يتراوح من ثمانية براميل إلى ثلاثة عشر برميلا في فصل الشتاء. وتعتبر منطقة قضاء زحلة من أشد المناطق برودة بقاعاً، وترتفع نسبة الاستهلاك مع ارتفاع وعلو المناطق عن سطح البحر. ولكل فئة من البقاعيين حطبها ومدافئها، فالمدافئ الصغيرة للفئة التي تئن من ارتفاع أسعار المازوت، وهي بالتالي تنهمك في تأمين حاجياتها من الحطب من خلال قطع الأشجار اليابسة، وتشحيل العالية منها. ويمضي أفرادها أيامهم في البحث بين البساتين التي قرر أصحابها بيعها أو زرعها بأصناف أخرى، ليصلوا إلى مبتغاهم ومؤونتهم من أغصان الأشجار اليابسة، وبعض الحطب بأسعار منخفضة، وخصوصا بقايا «خشب المناشر»، وحتى «طبالي» الخشب من مخلفات الفرز في معامل النفايات، حيث يباع الطن بمئتي ألف ليرة لبنانية، مع العلم أن تلك الفئة التي تعيش دون خط الفقر تستعين أحيانا ببقايا الزيوت، من أجل إطالة عمر النار المشتعلة في المدفأة من دون أن تعير أي اهتمام للعواقب الصحية التي تنشأ عن مثل تلك الممارسات غير الصحية.

في المقابل، تعتبر «حطبة» السنديان، ودوالي كروم العنب حكراً على الأثرياء، إذ «يصل سعر الطن من ذلك النوع إلى ما يزيد عن 300 دولار أميركي»، كما يقول نزار الشامي، الذي يشير إلى أن «الحطب لم يعد مادة تدفئة للفقراء، إنما تحول إلى نوع من العادات الشتوية عند بعض الأغنياء، الذين يزينون صالوناتهم بشومينه (مدفأة) في صدر الصالون».

وقبل أشهر من بدء موسم الشتاء، بدأت تجارة بيع الحطب تزدهر في قرى البقاع بشكل لافت. ويقوم الباعة بتوقيف شاحناتهم المعبأة بأنواع الحطب كافة، على مفارق وجوانب الطرق الرئيسية، لا سيما في مدينة زحلة. وباتت «سوق الحطب» تجارة رابحة ورائجة، ومهنة جديدة لدى البعض، حيث تنتشر على طول قرى البقاع عشرات المؤسسات التجارية، التي تعنى ببيع مدافئ الحطب. «ويتراوح سعر الواحدة منها ما بين ألف وخمسمئة إلى ألفي دولار أميركي، مع تقديم حوافز للشراء من خلال التقسيط على المصارف»، كما يقول الشامي، الذي يؤكد على تنامي وتطور تلك التجارة «التي تتحول شيئا فشيئا إلى الضروريات والأساسيات في أي منزل وفيلا جديدة».

عملية تأمين المؤونة الشتوية عند البقاعين، لم تعد مرتبطة بوقت محدد إنما باتت ظاهرة تنتشر على مدار أشهر السنة في ظل ازدهار تجارة الحطب، التي تقوم بأكثر من 80 في المئة من الحاجيات الاستهلاكية على الاستيراد من الداخل السوري وخصوصا من حمص والقصير. ويلجأ الأهالي المعوزين إلى تأمين احتياجاتهم من خلال «تجميع» بقايا الحطب والأشجار والتشحيل، أو من خلال بعض الأشجار التي تقطع بعدما «انتهى عمرها»، عدا عن بقايا الخشب الذي يستعمل في ورش البناء، إضافة إلى بقايا المناجر.

أيام وساعات يقضيها العشرات من الأطفال خلال عطلتهم الصيفية في تأمين بعض المؤونة من الحطب من الحقول، في حين أن تجار الحطب يحاولون اقتناص بعض الفرص، التي تتمثل وفق الشامي، بـ «اقتلاع أشجار بستان واستبداله بنصوب جديدة، عندها يتسابق التجار إلى كسب تلك الفرصة ويقومون بتقديم عروض تلزيم للقطع». وتبعا لكمية الأشجار، التي يحويها ونوعيتها في كل بستان يحدد السعر، «إذ إن لكل نوع حطب سعره»، كما يقول الياس مهنا من الفرزل، الذي يقدم بعض الأمثلة، منها وجود «أشجار تستأهل من ألفي ليرة إلى خمسة آلاف ليرة، أما الباب العالي من الدراق مثلاً، فيساوي أربعة آلاف ليرة». وبعد الاتفاق مع صاحب الأرض يبدأ مهنا عمله بـ «تزليط الشجرة» أي تنظيفها من الأوراق والغصون الرفيعة، التي لا تصلح للتدفئة، والتي يقوم بعد أسبوع بجمعها وحرقها حتى يبدأ بقطع الأشجار بمنشاره الكهربائي، ويعاونه عاملان في نقلها إلى الجرار الزراعي، ومن بعده إلى مكان التخزين. وبعد الانتهاء من عملية القطع، يأتي بحفارة إلى البستان لقلع جذورالأشجار وكعوبها، التي تستعمل أيضاً في التدفئة، وتباع بأسعار أرخص من الأغصان والجذوع، علما بأن تنظيفها من التراب و«الشلوش» يحتاج إلى وقت وجهد كبير. ومن ثم يتم نقل الأشجار المقطوعة من السهل إلى مكان يخصصه لجمعها، حيث يقصّ جذوعها إلى قطع، طول الواحدة منها يراوح بين 20 و25 سنتمترا للمدفئة العادية، و50 سنتمترا للموقد.

وكيفما تجولت في البقاع، تطالعك أكوام الحطب المنتشرة إلى جوانب الطرق وعند زاويا المفارق، تعلوها لافتات كتب عليها «للبيع»، تشرح بشكل دقيق أصناف المعروضات المستحدثة، وأبرزها ما يطلق عليه تجار الحطب «الأرامي» أو جذوع الأشجار، «التي تلقى رواجاً وطلباً متصاعدا لدى الأغنياء لاستعمالها في المواقد». ويقدر الشامي الحاجة الاستهلاكية من الحطب في البقاع بـ «أكثر من عشرة آلاف طن»، لافتا إلى أن تلك الكمية ترتفع من سنة إلى أخرى. ففي العام الماضي، استطاع الشامي بيع ما يقدر بأكثر من 800 طن من الحطب، مقابل 1120 طناً في السنة الحالية «ولا نزال في بداية الموسم»، ومعظم ما باعه من «حطب الأغنياء». والإقبال المرتفع على الحطب لم يعد حكراً على فئة من الناس من دون غيرها، إلا أن الفئة التي تجد في الحطب وسيلة لتدفئة الفقراء، تتسع من سنة إلى سنة، لا سيما أن صور ومعاناة السنوات الماضية من جراء فقدان المازوت، واحتكاره راسخة عند البقاعين، الذين تحولوا إلى «حملة الغالونات»، ليصطّفوا في طوابير طويلة أمام محطات الوقود التي كانت تقنن في كميات المازوت.

تعليقات: