جان زيغلر الذي وثّق انتهاكات إسرائيل في الحرب

جان زيغلر: اسرائيل انتهكت<br>القانون الدولي (أ ب)
جان زيغلر: اسرائيل انتهكت
القانون الدولي (أ ب)


لم يجد مندوب البعثة الإسرائيلية الدائم في جنيف اسحاق ليفانون ما يردّ به على التقرير «الناري» لمقرّر الأمم المتحدة الخاص المعني بالغذاء، جان زيغلر، عن انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان خلال الحرب، ولا سيما الحق بالغذاء، إلا قصاصة من صحيفة «الأخبار» التي خصّها زيغلر بمقابلة نشرت بتاريخ 18 أيلول 2006 أعلن فيها رفضه وصف «حزب الله» بالإرهاب...

كان جان زيغلر يعرف أن زيارته للبنان العام الماضي لوضع تقرير عن انتهاكات حقوق الإنسان في حرب تموز، سوف تزعج صنّاع القرار في إسرائيل. ورغم أن عمله مقرّراً خاصاً مستقلاً عن عمل لجنة التحقيق المعنية بلبنان، فإنه فلم يزر إسرائيل على غرار ما فعل الخبراء الأربعة الذين كانوا قد زاروا لبنان قبله بأسبوع ضمن بعثة كلفها مجلس حقوق الإنسان مهمة تقصي الحقائق المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني خلال العدوان الأخير. وقد أورد زيغلر في تقريره أنه طلب الإذن بزيارة إسرائيل للتحقيق في حالة الحق في الغذاء للسكان الإسرائيليين المتأثرين من الحرب، لكن طلبه رفضته الحكومة الإسرائيلية.

زيغلر باحث ومثقف سويسري يجاهر بمناصرته لشعوب العالم الثالث، ولم يتعب من توثيق انتهاكات حقوق الإنسان بحقها. له تجارب سابقة مع إسرائيل، فقد سبق له أن زار الأراضي المحتلة، وقدّم تقريراً عن الوضع المأساوي في الضفة الغربية وغزة، وأثار تقريره في حينها ضجة كبيرة أدّت إلى قيام حملة شرسة عليه من منظّمة أميركية صهيونية تسمى «منظمة مراقبة الأمم المتحدة»، لكن ذلك لم يحل دون إعادة انتخابه للمنصب نفسه، نظراً للصدقية العالية التي يتمتع بها.

حين عرض تقريره عن حرب تموز في مقرّ الأمم المتحدة في جنيف، كانت العديد من المنظمات غير الحكومية المرتبطة عضوياً بدوائر المخابرات الأميركية والإسرائيلية تشنّ حملة مضادة تحت شعار «انتهاكات حزب الله لحقوق الإنسان في حرب تموز»، وحاز تقريره نصيباً وافراً من هجومهم. لكن ما فاجأ زيغلر طلب السفير الإسرائيلي اسحاق ليفانون حق الردّ الذي اقتصر على إبراز قصاصة من صحيفة «الأخبار» كان زيغلر قد خصّها بمقابلة حصرية أثناء وجوده في لبنان، ورفض فيها «أن يوصف حزب الله بالإرهاب، إنه حركة مقاومة وطنية، وعندما تفشل كل الجهود لتحرير الأسرى بالطرق الدبلوماسية، أستطيع أن أتفهم قيام هذه الحركة باحتجاز جنود لمبادلتهم. لكن ما لم أستطع فهمه حتى الآن هو رد الفعل الإسرائيلي على حادثة أسر جنديين».

كان المندوب الإسرائيلي يحاول أن يبرز هذا التصريح للدلالة على عدم حيادية المقرر السويسري، رغم أنه نوّه في حديثه لـ«الأخبار» في حينها بأن هذا رأيه الشخصي ولا يمثل رأي الأمم المتحدة.

لم ينزعج زيغلر من الحادثة، فهو يعرف نفسه بأنه ينتمي ثقافياً وسياسياً إلى «العالمثالثية». ويصرّ على رأيه بأن إسرائيل خلال عدوان تموز «فسرت بطريقة عجيبة مبدأ الدفاع عن النفس، الذي أقرته المادة 51 من الشرعة الدولية لحقوق الإنسان». وهو يؤكد أن «ردّ فعل إسرائيل على لبنان بهذه الطريقة وقتل كل هؤلاء الأبرياء انتهاك فاضح للقانون الدولي».

يشير تقرير زيغلر، الذي يعدّ من أهم الوثائق التي صدرت عن انتهاكات إسرائيل للحق في الغذاء خلال حرب تموز، إلى أن «عمليات تدمير الطرق والجسور، والرفض المتكرّر من جانب القوات المسلحة الإسرائيلية للسماح بالمرور الآمن، أدت إلى أن يكون من الصعب للغاية على وكالات الإنسانية نقل الأغذية ومواد الإغاثة الأخرى». ورأى «أن مصدر القلق الرئيسي اليوم هو التأثيرات الطويلة الأجل للحرب على أسباب العيش. فالحق في الغذاء لا يتعلق في المقام الأول بالحصول على المعونة الغذائية، بل هو الحق في التمكن من أن يطعم الناس أنفسهم عن طريق أسباب عيش ملائمة».

وتضمن التقرير «توثيقاً مفصّلاً للانتهاكات الإسرائيلية التي ارتكبت بحق المزارعين والبنى التحتية الزراعية، ولاستهداف وسائل النقل والمواصلات، ووجود مئات آلاف الألغام التي تشل معاودة النشاط الزراعي، إضافة إلى الدمار الذي لحق بكلّ نظم الريّ في الليطاني ومصادر مياه الجنوب، وكذلك القضاء على الأسس للبنى المادية للصيد، وعدم قدرة المزارعين على جني محصول الزيتون أو زرع شتول الموز».

ومن أوجه القلق الرئيسية المتصلّة بالحق في الغذاء والماء، قصف القوات الإسرائيلية بتاريخ 7 آب 2006 آخر معبر مفتوح متبقٍّ على نهر الليطاني وعزل ميناء مدينة صور والمنطقة المحيطة بها وإبلاغ وكالات الأمم المتحدة أن جميع مركباتها ستهاجم، باستثناء مركبات اليونيفيل.

وفي ضوء الاستنتاجات التي توصّل إليها زيغلر ضمن تقريره، سلسلة من التوصيات الهادفة إلى تحسين إعمال الحق في الغذاء للسكان اللبنانيين بأسرهم ومنها:

ـــــ التحقيق في انتهاكات الحق في الغذاء بموجب قانون حقوق الإنسان الدولي والقانون الإنساني الدولي، بما في ذلك تحديد إذا ما كانت هذه الانتهاكات تشكل خرقاً خطيراً لاتفاقيات جنيف المؤرّخة 12 آب 1949 والبروتوكول الإضافي الأول الملحق بها، وإذا ما كانت تشكل أيضاً جرائم حرب محتملة بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

ـــــ تقبل حكومتي إسرائيل ولبنان بقيام لجنة تقصي الحقائق الإنسانية الدولية، المنشأة وفقاً للبروتوكول الإضافي الأول، بالتحقيق في انتهاكات الحق في الغذاء، بموجب القانون الإنساني الدولي.

ـــــ وفقاً لفقه القانون الدولي، ينبغي اعتبار حكومة إسرائيل مسؤولة بموجب القانون الدولي عن أي انتهاك للحق في الغذاء للسكان المدنيين اللبنانيين. ويقع عليها التزام ضمان أن يتلقى جميع الضحايا تعويضاً كافياً عن الخسائر التي تكبدوها أثناء الحرب وعن الخسائر الجارية الناجمة عن تعطيل أسباب العيش.

ـــــ ينبغي أن تقدّم حكومة إسرائيل التفاصيل الكاملة لاستعمالها للذخائر العنقودية من أجل تيسير تدمير الذخائر غير المنفجرة وتطهير المناطق المتأثرة منها.

ـــــ ينبغي اعتبار الأفراد مسؤولين عن انتهاكات الحق في الغذاء والماء، لأنه عندما تنتهك الالتزامات القانونية التي تنظم مباشرة الأعمال القتالية يجوز أن يستتبع ذلك المسؤولية الجنائية الشخصية، وخاصة في حالة أولئك الذين يشغلون مراكز القيادة والسيطرة.

حرب لبنان بالنسبة إلى زيغلر «حلقة من حلقات الحروب العبثية. وإن هذه الحروب تزيد كوارث المذبحة اليومية التي يسببها الجوع والتي لا تبررها أية حتمية أو قدر».

أزمة الخبز في الحرب (أرشيف ــ وائل اللادقي)
أزمة الخبز في الحرب (أرشيف ــ وائل اللادقي)


تعليقات: