الشعوب العربية بين مطرقة الديكتاتوريّة وسندان الاستعمار


.. بعد العراق وتونس ومصر تمثال جديد يتهاوى وحاكم عربيّ آخر يسقط بالضربة الشعبية القاضية، لتنتهي فصول سنوات عديدة من سلطة الرأي الواحد والحكم الآحادي، وليدخل ملك ليبيا المزمن كما سابقيه إلى التاريخ العربيّ كزعيم مخلوع أمعن ظلماً وقمعاً واستعلاء، حتى ضاق به الشعب ذرعاً فانتفض عليه وأسقطه ..

.. بسقوط معمر القذافيّ تدخل ليبيا مرحلةً جديدةً واختباراً حرجاً لن يطول الأمر كثيراً حتى تظهر نتائجه وتداعياته، إذ إنّ المشترك الواحد لدى الدول العربية خاصة تلك التي شهدت ثورات شعبية في الآونة الأخيرة هو الحاجة الملحّة إلى معرفة أصول اللعبة الديموقراطية وآلية انتاج سلطة منبثقة عن إرادة الشعب واختياره، واعتبار الإنسان هو المحور في بناء دولة القانون والعدالة والمؤسسات، ولقد تكشّفت دلائل هذه الحاجة من خلال الفوضى التي أعقبت سقوط الحكم في تلك الدول، والتي تظهّرت بأشكال مختلفة أبرزها عدم الانسجام الداخلي مضافا إليه الفشل المتكرّر والعجز المستمرّ عن الانتقال بالوطن إلى مرحلة التعافي والنهوض.

أن ينام شعبٌ عاش عمراً مديداً فقدان الذات في دائرة الخوف والرقابة، وأدمن ثقافة الممنوع المطلق ليستيقظ على صبح من الحريّة والانعتاق أمرٌ حريٌ بالتأمّل ودقة التدبّر، وأمامه يكون التساؤل والتشاؤل مشروعين للغاية، إذ هل بإمكان الشّعب المنتصر أن يحتفظ بوعيه الثوريّ دونما التأثر بضبابية الغرور ونشوة الإنجاز؟ هل بامكانه أن يستحضر أقصى درجات الحكمة والتجرّد ليرتّب بيته الداخلي وينفذ بسرعة إلى مشروع الدولة العادلة التي تصون وحدته وتجنّبه الدخول في متاهات الصراعات الأهلية وأنفاقها الضيقة، وتحفظ مقدّرات بلده من النهب والضياع، وتفوّت الفرصة أمام المستثمرين والطامحين بأن يكون لهم مربط إبل أو موطئ قدم ؟!..

إنّ هذا الخوف أو التساؤل لم يعد افتراضياً أو سابقاً لأوانه لأنّ لنا في العراق ومصر وتونس خير شاهد ودليل، وليس تنغيصاً على الشعب الليبيّ فرحته في هذا العيد التحرريّ الكبير والانجاز التاريخيّ العظيم، وإنما تداركاً لما ينتظر هذه الثورة المجيدة وما سيليها من ثورات قادمة من مخططات تستهدف الشعوب التي خرجت للشمس والدول التي رفعت رايات التحرّر، لتعمد يد الاستعمار الذي بات يعتبر نفسه شريكاً أساسياً في الحدث إلى الإمساك بطاقات تلك الدول وثرواتها وارتهان الشعوب مجدّداً لحكم ديكتاتوريّ بشعارات ديموقراطية، أو لزجّها في أتون صراعاتٍ داخليةٍ تذويبةٍ تسهّل عليه نيل مناه ومبتغاه..

إنّ الخوف على حاضر الشعوب العربيّة ومستقبلها من مكائد قوى الهيمنة والاستعمار لا يلغي حاجة هذه الشعوب للتخلّص من قبضة حكّام الحديد، ولا يجوز أن يوهن القلقُ عزيمة الأحرار في المضيّ قدماً نحو الخلاص النهائيّ من حقبة تاريخيةٍ رديئة، كذلك فإنّه من التجنيّ والافتئات الادعاء أنّ ما يحدث في العالم العربي لا يعبّر عن إرادة شعبيةّ حقيقيّة، وأنّ الذين ينتفضون في الشوارع ويُقتلون في الساحات هم أزلامٌ ومرتزقةٌ لدول أجنبية، وأنّه ليس لدى الشّعب ما يدفعه للانقلاب على الحاكم وكأنّه يعيش في حرّية ورفاهيّة ليس لها حدود!..

ولكي لا تكون الشعوب العربية بين مطرقة الديكتاتوريّة وسندان الاستعمار فالمطلوب المؤكّد في هذه المرحلة وما سيليها هو الفائض من الوعي والحنكة والتبصّر.

حريّ أن نشارك الشّعب الليبيّ الحبيب عيده المزدوج وانتصاره الكبير، وفرحة فقرائه ومعذبيه، وكلّ ثورة وأنتم بخير ...

* الشيخ محمد أسعد قانصو

Cheikh_kanso@hotmail.com

تعليقات: