سهيل حلاوي: عشرون عاماً تحت قوس الانتظار

سهيل حلاوي: عشرون عاماً تحت قوس الانتظار
سهيل حلاوي: عشرون عاماً تحت قوس الانتظار


هنا قضية عالقة لدى القضاء منذ نحو عشرين عاماً، لكنها تخصّ قاضياً بدأ مسيرته في السلك مع زملاء باتوا اليوم يحتلون أرفع المناصب القضائية ويحكمون قصور العدل. أما هو، فبدل أن يتدرّج صعوداً في المراكز، انحدر نزولاً ليستقرّ في منصب قاض منفرد جزائي

القاضي سهيل سليمان حلاوي. الاسم قد لا يعني شيئاً لكثيرين. لكنه في الوسط القضائي أشهر من نار على علم. الرعيل الأول من القضاة يعرفه جيداً، والمنخرطون الجدد في السلك يسمعون عنه. بعضهم يلصق به اتهامات قاسية فيما يصفه آخرون بأنه «أحد أكثر القضاة نزاهة في قصر العدل».

ما الذي يجعل قاضياً، رجلاً معروفاً الى هذا الحد؟ بل ما الذي يجعل قاضياً يخدم في السلك منذ نحو أربعة عقود، ووصل أفراد دفعته الى أعلى المناصب القضائية، يبقى قاضياً منفرداً؟

إنه «الغضب السياسي»، يقول بعض العارفين.

هذا الغضب حال دون تبوّؤ حلاوي مركزاً يتناسب مع درجته القضائية، علماً أنه ثاني أعلى القضاة الشيعة من حيث الدرجة بعد القاضي سامي منصور. وهو، في حياته القضائية، تقلّب في العديد من المناصب، فمن قاضٍ منفرد عام 1981 الى رئيس بداية عام 1984 الى رئيس بداية أخرى عام 1988، فقاضي تحقيق عام 1990، قبل أن يُصبح مستشاراً عاملاً لدى كافة محاكم بيروت ومستشاراً إضافياً في بيروت ثم في البقاع، ليعود بعدها، ويعين، من جديد، قاضياً منفرداً في بعلبك، وهو مركز يعطى عادة لحديثي العهد في السلك القضائي، ولا يتناسب أبداً مع درجته القضائية، علماً أن في سجل الرجل كتاب تنويه صادراً عن هيئة التفتيش القضائي ومذيّلاً بتوقيع رئيسها عبد الباسط غندور عام 1988، يُشيد بأحكام القاضي حلاوي ويصفها بأنها «تتميّز بالدقة وحُسن التعليل».

بدأت مشكلة القاضي حلاوي بداية التسعينيات. ووفق وثائق حصلت عليها «الأخبار» فإن الرجل «ممنوع» من تبوّؤ أي مركز في السلك القضائي ما لم يبتّ مجلس شورى الدولة اعتراضه على حكم تأديبي صدر في حقه على خلفية قضيتين حكم فيهما، إحداهما تتعلق بـ«تساهله»، عندما كان قاضياً للتحقيق في جبل لبنان عام 1990، في إخلاء سبيل رجل دين اعتقل في قضية مخدرات. (أخلي سبيل رجل الدين بعد سجنه أربعة أشهر لحيازته 400 غرام من المخدرات، علما أن نص قانون العقوبات القديم لم يكن يمنع إخلاء السبيل قبل انقضاء مدة معينة في قضايا الجنايات). في عام 1993، طعن حلاوي في الحكم التأديبي لدى مجلس شورى الدولة، لكن الاعتراض علق لدى مجلس القضاء الأعلى. فقد كان مقرراً ان يحيل الطعن إلى مجلس شورى الدولة، لكنه لم يفعل. ومنذ ذلك الوقت، بقيت المراجعة معلّقة. يقول مطلعون إن مجلس القضاء الأعلى، لأسباب غير معلنة، لم يعرض الملف على شورى الدولة... ومن حينها دخل القاضي حلاوي الحلقة المفرغة: الترقية تنتظر بت شورى الدولة، وشورى الدولة ينتظر القضاء الأعلى، والملف ضائع بين الجميع.

طوال السنوات الماضية، لم يمل حلاوي من رفع الكُتب الى مراجع عدة يطالب بإنصافه. أكثر من عشرين مذكرة وطلباً رفعها الى رئيس الجمهورية ووزير العدل ومجلس القضاء الأعلى وهيئة التفتيش القضائي والمجلس التأديبي ومجلس شورى الدولة، لكن من دون أن يلقى ردّاً واحداً. وتؤكد معلومات «الأخبار» أن كل المذكرات التي تقدم بها إلى مجلس القضاء الأعلى لم تعرض على أعضاء المجلس سواء في جلسة رسمية أو غير رسمية.

وفي أحد الكتب التي تقدّم بها الى وزير العدل السابق ابراهيم نجار بتاريخ 18/10/2008 يستغرب حلاوي «السادية والغرائزية» اللتين يجري التعامل معه وفقهما في مسألة التشكيلات القضائية. ويؤكد في الكتاب نفسه أنه لا يطلب سوى توسّط الوزير لإصدار قرار بالدعوى الرقم 247/92 كي توضع النقاط على الحروف وينال كلّ ذي حقٍّ حقّه.

وتُبيّن الوثائق أن القاضي حلاوي تقدّم بكتاب إلى مجلس القضاء الأعلى بتاريخ 3/7/2008 يطلب فيه تعيينه في أحد المراكز العليا الشاغرة على أساس أن درجته الـ18 تؤهله لشغل أي منصب، لافتاً إلى ضرورة تقييم عمله القضائي على مدى السنوات الخمس والثلاثين التي أمضاها في السلك القضائي ليُعطى ما يستحق. كذلك طالب بـ«النظر ملياً» في المنصب الذي يشغله، إذ إنه يتكبد نحو 800 ألف ليرة شهرياً أجرة مواصلات للوصول الى مركز عمله في بعلبك، علماً أنه يقيم في صور.

يعرف معظم القضاة الكبار في العدلية بـ«قضية» القاضي سهيل حلاوي، وبملفه العالق بـ«أمر» سياسي، وبعضهم يأسف لحال الرجل الذي «فات فوتة أكبر منو». «الأخبار» سألت أكثر من عشرة قضاة، كانوا زملاء صف للقاضي حلاوي، عما اذا كان يستحق ما يجري له؟ معظم القضاة أبدى موقفاً متعاطفاً. قاضٍ رفيع شغل رئاسة مجلس القضاء الأعلى لردح من الزمن قال: «كان الله في عون سهيل... لقد تحمّل كثيراً وهو لا يستحق ما يجري له». قاضٍ آخر عبّر عن الأسف لـ «الكيدية السياسية التي تكون السلطة القضائية أولى ضحاياها».

في المقابل، ذهب عدد من القضاة الآخرين إلى إلقاء اللوم على القاضي حلاوي الذي «يتحمّل المسؤولية الأكبر عمّا يجري له. فلو كان سلوكه متزناً في إدارة السلطة القضائية الموكلة له، لما وصل إلى ما وصل إليه». وبين لائمٍ ومتضامن، ارتأى عدد من القضاة عدم الإجابة عن السؤال لأسباب خاصة، أبرزها النأي عن القضية إبعاداً «لوجع الراس الذي لا فائدة منه».

وفي ضوء تأجيل بت قضية القاضي حلاوي، يتساءل بعض المتعاطفين معه عن دور مجلس القضايا في مجلس شورى الدولة الذي لم يُحرّك ساكناً حتى اليوم في قضية مرّ عليها نحو عشرين عاماً. ثلاث سنوات بقيت للقاضي حلاوي قبل إحالته على التقاعد، فهل تشهد تصحيحاً لاختلال ميزان العدل، ليتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود في هذه القضية؟

تخرج القاضي سهيل سليمان حلاوي من معهد القضاء في دورة عام 1973 بعد فتح المعهد أبوابه. وكان من زملائه القضاة التالية أسماؤهم: غالب غانم، شكري صادر، أكرم بعاصيري، الياس بو ناصيف، عبد اللطيف الحسيني، رشيد مزهر، عباس الحلبي، ميسم نويري، حسانة حسامي، أليس شبطيني العم، آرليت طويل جريصاتي، فايز مطر، سامي منصور، نعمة لحود.

تعليقات: