بلدات لبنانية تغيّر أسماءها: الخربة برج الملوك ويعثر ياطر و عثرون عيترون

أحد المداخل الرئيسية للخيام: طريق المرج - برج الملوك
أحد المداخل الرئيسية للخيام: طريق المرج - برج الملوك


الأسطبل صارت الروضة والحمّارة منارة

الدوافع سياسية، جنسية، لفظية، وفيها تدمير لذاكرة الأجيال المقبلة

لا ندري ماهية تلك الخصوصية التي تحوط لبنان بهالتها! انه بلد المفارقات بين كل الدول العربية. اسماء المعارك الكبرى فرضت نفسها على شوارعه، من دون ان ننسى أسماء ملوك التاريخ وأمرائه، وبصمات الحقبات التي توالت على حكمه، كالمعنية والشهابية، مروراً بالعثمانية والفرنسية وسواها طبعاً. ما كنت لألجأ الى هذه المقدمة لولا اسماء بعض البلدات اللبنانية التي قررت نفض الغبار الثقيل عنها وتغيير أسمائها التي أثقلتها أجيالاً طويلة.

تغيير اسم ما ليس سهلاً على الاطلاق، إذ يتطلّب وقتاً طويلاً ناهيك عن ردود الفعل المتداعية. ولكن في لبنان، تتنازل القاعدة دائماً لصالح الاستثناء. فبلدات لبنانية عدة بدّلت أسماءها، وما كان يعرفها به الأجداد اختلف عما عرفها به الأحفاد. فلا ريب في ان البوصلة أخطأت الاتجاه وضلّت ابرتها بين الأجيال.

على كل المحافظات تقريباً مرّت رياح تغيير أسماء البلدات، لكن اللافت اشتدادها قليلاً في محافظتي الجنوب والبقاع. واليكم البعض منها: بلدة الاسطبل أصبحت بلدة الروضة. والحمّارة صارت المنارة (وبالمناسبة ليست المنارة نفسها التي في بيروت)، أما دنبو فأصبحت عين الذهب، والخربة برج الملوك، ويعثر الجنوبية باتت ياطر، وكذلك عثرون التي تحوّلت على الألسنة لتصبح عيترون. والمزيد: اليهودية أصبحت السلطانية، فساقين الجبلية تحوّلت بساتين، وعيتا الزط عيتا الجبل، وطير زبنا الشهابية.

لماذا تتبدّل الأسماء؟

يعزو الدكتور في الجامعة اللبنانية منذر جابر الأمر الى ثلاثة اعتبارات تؤدي الى تغيير أسماء بعض البلدات اللبنانية. فيقول قبل الدخول في تلك الاعتبارات: "لعل المخطط الرئيسي من تغيير الاسم هو استهداف الذاكرة التاريخية للمنطقة بكاملها، ومن ثم العمل على تدميرها (الذاكرة) وابدالها بأخرى. فالتاريخ لم يتم التعامل معه الا بخفّة بعيدة كل البعد من الجديّة والصدقية. نحن لم نستطع ان نورث الأجيال تاريخاً صحيحاً، كل ما يقع ضمن دائرتنا قابل للتغير والقلب رأساً على عقب". ويبدأ عرض الأسباب متخذاً من كل بلدة حالاً فريدة عن الأخرى، رافضاً التعميم خارج إطار ما ذكره في مقدمة كلامه: "الايحاءات الجنسية، مسح الحوادث التاريخية المهمة من الذاكرة وابدالها بأخرى مناقضة، وثقل اللفظ، أسباب ثلاثة يمكنها ان تجيب عن سؤال اللماذا أعلاه". بلدتا طير زبنا وعيتا الزط تحملان مدلولات جنسية، وعليه كان لا بدّ للأهالي من المطالبة بتغيير اسم بلدتيهما. أما عثرون ويعثر فأصبحتا عيترون وياطر بسبب ثقل حرف الثاء على اللسان، ولا سيما بالنسبة الى الجيل الجديد الذي نزح الى العاصمة بيروت طلباً للعلم أو العمل، فتغيّرت لهجة الكلام في شكل لا تلقائي عنده تماهياً مع البيئة الجديدة. بيد ان كبار السن نسبياً يرفضون تغيير اسمي هاتين البلدتين ولا يزالون يعرفونهما بأسميهما الأصليين لا بتلك "المتمدّنة".

لبلدة اليهودية في الجنوب حكاية أخرى فرضت تغيير الاسم من دون أدنى تردد. "كيف يمكن ان تبقى على هذا الاسم وهي في صلب الجنوب المقاوم لليهود ولإسرائيل؟" يطرح الدكتور جابر سؤالاً استنكارياً. إذاً تغيّر الاسم جرّاء هذا السبب متخذاً اسم السلطانية، "فأهل هذه البلدة صامدون كالسلاطين، لا يهابون الاعداء أو الموت".

ويبدي منذر بالغ ألمه وأسفه لتغيير بلدة الحمّارة اسمها الى المنارة، فيقول: "انها من أهم البلدات الزراعية، تربتها حمراء خصبة، ومنها اتخذت اسمها، وتشتهر بزراعة العدس، فلماذا اذاً تغيرالاسم؟". يجيب عن هذا السؤال الذي طرحه بنفسه: "لأن بين لفظ الحمّارة والحمار تشابهاً لفظياً ولّد تهكماً على أبناء البلدة كالآتي: "شو بدو يطلع منك وانت ابن الحمّارة"، فكان هذا سبباً دافعاً لابداله بالمنارة". يضيف معقّباً: "أليست كافية المنارة في بيروت؟ وما علاقة المنارة ببلدة الحمّارة الزراعية سوى الوزن اللفظي فقط؟".

بيد انه يقف مستغرباً أمام تغيير اسم بلدة الخربة الى برج الملوك، ولا يكاد يجد سبباً مقنعاًً لذلك. "الخربة مشتقّة من الخراب، ولعل معركة ما هزّت البلدة في عصور خلت، فخرّبتها، أو لعلّه صراع سياسي. ولكن كيف تحوّلت من الخربة الى برج الملوك، فهذا الذي أقف أمامه حائراً".

في الختام يعود الدكتور جابر الى نقطة بدء الكلام، فيقول: "أسماء البلدات لم تأتِ من الفراغ، وكل اسم له جذوره وأصوله اللغوية والتاريخية القديمة. والأحرى بنا ان نعرف الأصل حتى نظل على صلة بأرضنا وتاريخنا وذاكرتنا وثقافتنا. هذا أكثر فاعلية من مسخ التاريخ ومسح الذاكرة ومصادرة حقوق الأجيال المقبلة علينا".

تعليقات: