محافظة البقاع: لا ماء ولا كهرباء.. وصرخات الاحتجاج لم تجد نفعاً

 مزارعون في سهل البقاع أمس
مزارعون في سهل البقاع أمس


تستهلك 500 ألف ليتر من المازوت يومياً والمتوفر لا يزيد عن 200 ألف

لاءات ثلاث تطبع الحياة اليومية للبقاعيين المكتوين بنكبة الإهمال، التي تحكي عن حاجتهم إلى المياه، والكهرباء، والمازوت، في منطقة لا تجد من يغيثها، في ظل تلاشي واقع الصرخات الاحتجاجية التي أطلقوها عبر إقفال الطرق والاعتصامات، التي على ما يبدو، لم تصل بعد إلى آذان المعنيين في أجهزة الدولة الغائبة بشكل كامل عن المنطقة. كيفما تجولت في البقاع، يطالعك الحديث عن مشكلة فقدان المازوت، التي أشرنا إليها منذ عشرة أيام، إلا أن أحداً لم يحرك ساكنا، سوى بعض الاتصالات السياسية التي أثمرت زيادة بضع مئات من الليترات من تلك المادة، لصالح بعض محطات الوقود، التي أسعفها حظها بـ«مونة» سياسية على المعنيين في عملية توزيع المحروقات، ترجمت بزيادة بعض حاجياتها التي لا تزال في نقص أمام الطلب المتزايد على المادة.

من حقول البقاع، يطلق مئات المزارعين صرخة «رحمة»، على ما تبقى من مواسم، كما يقول المزارع علي الخطيب، المنهمك في التفتيش على ليترات من المازوت من محطة إلى أخرى، إلا أنه عبثا يجد مراده، الأمر الذي أجبره على «التخلي عن ريّ بعض حقول الحشائش، التي ستتحول إلى مراع للماشية لانخفاض الكلفة وإقفال باب التصدير». وتفاقمت أزمة المازوت مع التشدد عند الحدود السورية، التي منعت بشكل كامل دخول أي كميات من المازوت السوري المهرب إلى لبنان، والذي كان يقدر يوميا بأكثر من ثلاثمئة ألف ليتر، كما يقول أحد المهربين العاطل من العمل في الفترة الحالية بفعل الإجراءات السورية.

ومن المفارقة أن كمية المازوت التي كانت تهرّب إلى البقاع، كانت تتجاوز كمية المازوت اللبناني الذي يسلم إلى محطات الوقود، التي يشير أصحابها إلى أن الاستهلاك البقاعي للفترة يتجاوز الخمسمئة ألف ليتر يومياً، في حين أن المتوفر من المصافي لمنطقة البقاع لا يتجاوز المئتي ألف ليتر يومياً. وعلى الوعود ينتظر البقاعيون مازوتهم، الذي وصل سعره بالأمس في السوق السوداء إلى 33 الف ليرة للصفيحة الواحدة، في حين أن السعر الرسمي لا يتجاوز 31300 ليرة لبنانية. ويقول أحد المهربين لمادة المازوت من سوريا: «إن ما نستطيع إدخاله إلى البقاع من مازوت أشبه بالقطارة، وبات مكلفاً جداً ويباع بسعر يفوق السعر اللبناني، لأن المازوت اللبناني غير متوفر، علماً أنه في الأشهر الماضية، كان سعر المازوت السوري المهرب يتراوح من 22 ألفا إلى 24 ألف ليرة لبنانية للصفيحة الواحدة». وألقى عدم توفر المازوت بتأثيراته، وظلاله على كل القطاعات الإنتاجية من اقتصادية ومؤسسات تجارية، إلى مؤسسات صناعية وسياحية متوسطة، إذا لفت عدد من أصحاب تلك المؤسسات إلى تراجع ساعات العمل، بسبب التقنين الكهربائي وغياب مادة المازوت المشغلة لمولداتهم.

من المازوت المفقود في البقاع، نصل إلى الكهرباء المقننة بساعات وصلت أمس إلى حدود 14 ساعة انقطاع، ما فرض نفض الغبار عن قناديل الكاز والعودة الى الشموع التي باتت تجد مكانها على موائد افطار البقاعيين وسحورهم. ويحكي البقاعيون عن معاناتهم و«أم مصائبهم» مع «مؤسسة كهرباء لبنان»، التي تفرض تقنينا عشوائيا من دون جدول معلن، إلى مسلسل من الانقطاع المستمر والمتتالي للتيار الكهربائي، الذي يصل ضعيفا جداً إلى بعض المنازل التي تتغذى من «كهرباء لبنان»، الأمر الذي يتسبب بكوارث اقتصادية تدفع ضحيتها العشرات من الأجهزة الكهربائية من البرادات، والمكيفات، وأجهزة التلفزة وسواها. وأمام ارتفاع ساعات التقنين وفقدان المازوت، وحصر وجوده في السوق السوداء بأسعار مرتفعة عن السعر الرسمي المحدد، عمد أصحاب المولدات إلى رفع أسعار اشتراكاتهم المالية بالمولدات، ففي مجدل عنجر رفع أصحاب المولدات كلفة الكيلووات من الكهرباء من 800 ليرة إلى 1000 ليرة، الأمر الذي رفضه الأهالي والبلدية، إلا أن غياب البديل المفترض أن تؤمنه الدولة والحكومة العتيدة، يجبر الأهالي على الانصياع لذلك التحكم، في حين أن مشروع إنتاج الكهرباء، الذي تحول إلى مطلب أساسي في مناقشة ندوة تنمية البقاع في مجلس النواب، دونه عقبات وانتظار مريب غير معروف الأسباب التي تحول دون إطلاق ذلك المشروع الحيوي، الذي يتكفل برفع نسب النمو في البقاع، عدا خفض الكلفة الكهربائية في المنطقة بأكثر من ثلاثين بالمئة عن الذي يدفعه ويتكبده الأهالي.

في زحلة وأحيائها، وباقي قرى قضاء زحلة، وصلت فاتورة الاشتراك بالمولد الخاص عن تغذية خمسة أمبير، إلى مئة وخمسين ألف ليرة، بارتفاع ثلاثين ألف ليرة عن الشهر الماضي، والسبب وفق اصحاب المولدات ارتفاع سعر المازوت وساعات التقنين.

ومع فقدان المازوت، وارتفاع ساعات التقنين في التيار الكهربائي، أخذت غطاسات الينابيع والمصادر المائية في البقاع الأوسط إجازة فعلت فعلها في زيادة شحّ المياه في قرى البقاع، وفي الوقت نفسه تهدر المياه بكميات غزيرة على الطرق أمام أعين العابرين، الذين يتحسرون على ملايين من الأمتار المكعبة وكيفية هدرها، وهم بأمس الحاجة إليها وإلى منازلهم العطشى. ويتحدث رؤساء البلديت عن «غيبوبة تعيش فيها مؤسسة مياه البقاع»، كما يقول رئيس بلدية مجدل عنجر سامي العجمي، الذي يرفع الصوت عالياً من أجل إيصال المياه إلى مجدل عنجر، التي تتغذى من نبع شمسين، الذي لا يبعد سوى أمتار قليلة عن البلدة، علماً أن مياه النبع كانت تتكفل بإيصال المياه إلى أكثر من 40 قرية وبلدة في البقاعين الأوسط والغربي، إلا أن تردي وضع الشبكات المائية، التي يعود عمرها إلى عشرات السنين كما هي حال «ما تبقى من شبكة مجدل عنجر، التي يعود عمرها الى عام 1958»، وفق العجمي، الذي يشير إلى كثرة الأعطال في ظل الحاجة الملحة والفورية لاستبدال وتركيب شبكة جــــديدة، لأن الواصل من المـــياه في الشبكة يجلب معه إلى حنـــفيات الأهالي الكــــثير من المياه الآسنة من جراء الاهتــــراءات.

معاناة بقاعية تتفاقم يوما بعد يوم، ولا أحد يسأل. وكأن المنطقة تعاني من استقالة حكومية في أقل واجباتها تجاه مواطنين، كان يأملون منها أن تضع حداً لمآسيهم، إلا أنه يبدو أن تلك المآسي والمشاكل ترتفع درجات ودرجات مع كل حكومة جديدة.

تعليقات: