عندما يخوض سعد الحريري معاركه الخاسرة بالجملة

الرئيس سعد الحريري
الرئيس سعد الحريري


زعيم «المستقبل» يتعاطف مع الشعب السوري.. انتقاماً من الأسد!

بين الحين والآخر، يحاول سعد الحريري أن يطلق ما يبدو انه موقف تذكيري بأنه يقاتل على ثلاث جبهات في آن معا، ولكن من دون أن يقدم دليلا موازيا يثبت فيه امتلاكه، ليس قدرة حسم المعركة لمصلحته بل القدرة على الاستمرار في ساحة المعركة نفسها والصمود أمام الخصوم الأقوياء.

وليس خافيا ان تحقيق نجاحات في المعارك، يتطلب ظروفا وقدرات وإمكانات ذاتية وموضوعية، وكلها عناصر لا تبدو متوافرة في المعارك التي فتحها زعيم الأكثرية منذ إخراجه من نعيم السلطة، والتي بدأها اولا ضد سلاح «حزب الله»، وهو المدرك سلفا أنه لن يحقق ربحا في هذه المعركة بما يمكـِّنه من قلب النتيجة لمصلحته.

كما لا تبدو تلك العناصر متوافرة في ما يحلو لفريقه أن يسميها «المعركة الكبرى» والمستمرة ضد حكومة نجيب ميقاتي، وهي ثاني المعارك التي فتحها الحريري إنفاذا لما سبق وأبلغه شخصيا لرئيس الحكومة في السيارة حينما انتقلا سويا من اجتماع دار الفتوى إلى منزل الحريري في وادي أبو جميل. يومها قال الحريري لميقاتي ما حرفيته: «لن أريحك، ولا تنتظر مني أن أريحك، بل لن أترك أي شيء إلا سأقوم به لأفشل حكومتك». إلا أن هذا الكلام، وما تلاه من تحريض وتجريح بدا باطل المفعول أمام المناعة التي اكتسبتها حكومة نجيب ميقاتي محليا وخارجيا.

الواضح أن الحريري أخفق في المعركتين، أقله حتى الآن، إلا أن ما يستوقف المراقبين هو أن الإخفاق المزدوج لم يشكل حافزا للحريري للذهاب إلى مراجعة الحسابات وقراءة الوقائع على حقيقتها، لا بل انتقل مباشرة إلى فتح معركة ثالثة، وهذه المرة ضد النظام السوري، ويبدو البيان المكتوب الذي صدر عن الحريري قبل أيام، من مقر إقامته الأخيرة في جدة، أقرب ما يكون إلى «البيان الرقم واحد» ويعلن فيه انضواءه في جبهة المواجهة للنظام السوري، لأنه، كما قال ،«لم يعد يمكن السكوت على ما يجري في سوريا».

يقود ذلك الى جملة اعتراضية، ألم يكن أجدر بسعد الحريري أن يضع في الحسبان ماذا لو قرر «حزب الله» أو أمينه العام أو أي مسؤول لبناني الرد عليه فقط من خلال مقارنة «غيرته» المفاجئة على الشعب السوري اليوم وكيف أقام القيامة ولم يقعدها عندما قال السيد حسن نصر الله ما قاله بحق الجريمة التي تعرض لها شعب البحرين على يد النظام البحريني؟ ولماذا لم يضع في الحسبان أنه قد يجد نفسه يوما مضطرا لاستعارة عبارات «السيد» لكن في مقام آخر؟

والسؤال المطروح: ما دام الحريري لم يصل الى نتيجة في معركته ضد «حزب الله» وسلاحه المقاوم وضد نجيب ميقاتي وحكومته، فلماذا قرر فتح المعركة الثالثة ضد النظام السوري، وهل هو قراره الشخصي أم بالتنسيق مع القيادة السعودية، والى أين يريد أن يذهب في هذه المعركة، وهل ثمة احتمالات للربح فيها، وماذا عن احتمالات الخسارة وهل يمكن أن يقول للشعب اللبناني إنه كان سيتصرف بالطريقة نفسها لو كان لا يزال على رأس السلطة السياسية أو اذا كان «السين سين» سالكا وآمنا؟

من الواضح أن بيان الحريري، يعبر عن المكنونات الحقيقية التي تعتمل في قلب الرجل، على الاقل منذ إسقاطه من رئاسة الحكومة، وانه يرتكز على مضمون ثأري واضح من الشريك الثاني في هذا الإسقاط أي الرئيس بشار الاسد، الى جانب الشريك الاول السيد حسن نصر الله كما أعلن الحريري نفسه عبر قناة «ام تي في». وأما إشهار هذا المنطق الثأري في اللحظة الحالية، فيبدو أن الحريري أراد أن يسقطه على مناسبة سورية، ومن هنا جاء اختياره واقعة حماه ليشهر من خلالها السلاح ضد نظام الاسد.

واذا كان مريدو الحريري يدرجون بيانه في سياق طبيعي تمليه «الوقفة التضامنية» التي لا بد منها مع الشعب السوري حيال ما يتعرض له، فإن بعض المراقبين يرونه تعبيراً عن منطق ثأري، خاصة أن «الشعب السوري» الذي قرر الحريري التضامن معه، كان يوما ما في موضع المطارَد من قبل من يبكون عليه اليوم، وتزخر الذاكرة اللبنانية بالكثير من المطاردات والملاحقات العنصرية للعمال السوريين في لبنان منذ الرابع عشر من شباط العام 2005 وحتى الأمس القريب، والأخطر من ذلك تلك العصبية التي ولدها خطاب الحريري و«ثورة الأرز» ضد سوريا والشعب السوري على مدى السنوات الماضية.

ما لم يقله الحريري في بيانه وبدا أنه يشكل ركيزة تفكيره وتفكير فريق وازن في «المستقبل» و14 آذار، أن ثمة كلمة سر أميركية ـ أوروبية قادته للرهان على «الرمضان السوري» وجعلته يعتقد أن لحظة الثأر من بشار الاسد قد دنت، وأنه كان يتمنى فعلا لو أنه عاد الى بيروت هذه المرة عن طريق مطار دمشق الدولي.

لا ينفي الحديث عن كلمة سر أميركية أوروبية، أن الحريري ليس بمقدوره تجاوز الاعتبارات السعودية، وهنا يصبح السؤال مشروعا: هل بيان الحريري يعبر عن موقف سعودي جديد يمكن أن يكون الفصل الثاني منه إعلان موقف مباشر للقيادة السعودية؟

على ان الخشية التي يبديها البعض، ليست من البعد الثأري لبيان الحريري، لا بل أن تكون الغاية منه استثارة سجال سياسي يتدرّج صعودا ليتحوّل من سجال الى تصعيد سياسي، ومن ثم الى اشتباك سياسي يؤمن المناخ والبيئة المطلوبة لأجندات معدة سلفا، وفي طليعتها المحكمة الدولية والقرارات الاتهامية. ولعل نقطة الاختبار الاولى محددة في الحادي عشر من الشهر الجاري حيث سينشر مضمون القرار الاتهامي ضد الكوادر الاربعة في «حزب الله»، وقد بدأ المحيطون بسعد الحريري بالترويج بأن القرار «يحتوي على وقائع خطيرة ستزلزل لبنان». كما ان نقطة الاختبار الثانية ستكون في المحطات التالية، وتحديدا في القرارات الاتهامية اللاحقة التي يروج الحريريون أنها ستشمل بالاتهام شخصيات سورية مقربة من الرئيس السوري.

تعليقات: