«60 دقيقة هزت العالم» لهاني سليمان

الدكتور هاني سليمان
الدكتور هاني سليمان


حوار الصقور والعصافير

هاني سليمان مناضل عرفته منذ أيام الطفولة. ومناضل رافقت نضاله في سنين الكهولة. لم تجمعني به قرابة الدم فقط، بل قرابة التطلعات والرؤى والمواقف، منذ المظاهرات التضامنية مع تأميم قناة السويس الى مظاهرات التضامن مع ثورة الجزائر مع فيتنام ثم مظاهرات الحركة الوطنية اللبنانية المتضامنة مع القضية الفلسطينية. تلك القضية التي بقيت ولا تزال شعلة حية في وجدان هاني ومواقفه وتحركاته. كان هاني مشاركاً وناشطاً في مقدمة الصفوف. وهذه الطليعية الريادية النضالية دفعته، ومن خلال مهنة المحاماة، الى الدفاع عن المناضل الياباني اوكاموتو وعن كارلوس في سجنه في باريس، دفعته أخيراً الى خوض الإبحار الى غزة مرتين. في المرة الأولى لم يصب بأذى كبير. أما في المرة الثانية فقد اخترق الرصاص الإسرائيلي ساقه اليمنى، بعدما تعرضت سفينة الحرية التركية «مرمرة» لمجزرة ارتكبها الكوماندوس الإسرائيلي ضد عدد من الناشطين العرب والأتراك والأوروبيين على متنها. هكذا جاء «كتاب 60 دقيقة هزت العالم» رواية لهاني سليمان للمجزرة وللرحلة ـ الشهادة البطولية المعمدة بالدم. قد تنطوي تسمية هذا الكتاب على المبالغة، لأن الحادثة بقيت بلا إنجاز تاريخي كبير، ولكنها مبالغة مبررة لأن الضمير العالمي لم تهزه نكبات وكوارث مثلما هزته تلك المجزرة التي تعرضى لها فريق السفينة التركية. هي رواية حية ودرامية أبطالها أتراك وعرب وأوروبيون وناشطون يهود.. والى جانب هاني، هناك المطران هيلاريون كبوجي. كذلك يستذكر حكايات أبطال منهم الناشطة راشيل كوري التي قضت تحت جنازير الدبابات الإسرائيلية. وهكذا قرر هاني ان يمتشق سلاح القلم ليرد على سلاح الرصاص الذي استهدفه واستهدف رفاقه الأتراك.

في هذا الكتاب أصبحت غزة على «مرمى حجر» بعدما كانت على «مرمى بصر». لكن السفينة الثانية لم تصل أيضا إذ لا يصل الحبيب الى الحبيب في غزة إلا أسيراً او شهيداً. كان هاني يحب ان يسمي قصته عن المحاولة الثانية «معركة ذات الصواري» حين اشتبكت في معركة بحرية صواري المسلمين بصواري الروم، وانتصر العرب آنذاك. لكنه فضل تسميتها «60 دقيقة هزت العالم»مستوحياً كتاب الناشط الأميركي جورج ريد عن الثورة البلشفية «عشرة أيام هزت العالم». طبعاً يدرك هاني الفوارق والأبعاد بين الحدثين والظروف والأحوال المتغيرة.. وفي الرابعة من فجر الاثنين الواقع في الأول من حزيران 2010 انفتحت فوهات الجحيم على السفينة التركية «مرمرة» ودارت معركة غير متكافئة بين الصقور والعصافير والسلاح الوحيد الذي كان بحوزة الناشطين هو ذلك الخنجر الذي يزين خصر النائب اليمني محمد الحزمي والذي يعتبر في اليمن جزءاً من الزي التقليدي الفلكلوري.

يروي الكاتب هاني قصة التحقيق معه عبر حوارات حادة وبليغة وآسرة. ولعل هذا الحوار الذي كتبه هاني بأسلوب فيه ما فيه من السخرية المرة والقسوة والكبرياء والفكاهة السوداء، يلخص الحوار الجاري بين العرب والصهاينة منذ عقود. حوار كتبه هاني بأحرف من دماء ودمع وحبر يشبه لون البحر الأزرق الذي لا ينضب والذي سال فيه دم هاني المثقف والمحامي والأستاذ الجامعي. لكن، يستحق هذا الكتاب مزيداً من التعمق في التوصيف والسبك الدرامي ومزيداً من الحوار الذي يستنطق الشخصيات ويجسد حضورها التاريخي والنضالي، كي تغدو هذه الرواية ـ الوثيقة عملاً أدبياً يهز الضمير العالمي حقا.

* صفوان حيدر

الدكتور هاني سليمان
الدكتور هاني سليمان


الدكتور هاني سليمان
الدكتور هاني سليمان


تعليقات: