لا تراجع .. إلى الأمام .. ثورة !!..


من المؤكّد أنَّ الرئيس اللّيبيّ معمّر القذافي لم يكن يدري أنَّ الكوميديا الواضحة التي تميّز بها خطابه سوف تتحوّل إلى مادة إعلانية جذّابة تدفع بالكثير من الشباب العربيّ إلى الانخراط في مجموعات ناشطة عبر شبكة الانترنت للدعم والتأييد وضخّ الشارع بنبض الثورة, أو أقلّه للانتاج اللّطيف لبعض الصور والمقاطع الفكاهية التي تظهر الزعماء العرب على حقيقتهم, وتجرّدهم من كلِّ ما أحاطوا به أنفسهم من ألقاب وصفات, وتعرّيهم من كلِّ طقوس الجلالة والعظمة المصطنعة ..

وبقدر ما كان القذافي أثناء خطابه جادّا في قرار محاربة الثورة الليبية وتصفيتها, حتى لو أدّى ذلك إلى سفك الدماء وانتهاك الحرمات وتقسيم ليبيا, بقدر ما كان فكاهياً محببّاً لهواة التشخيص والتقليد والدعابة, إلى درجة يصحّ معها القول بأنّه أصبح وبلا منازع المجرم الفكاهيّ, مع ما يحمله هذا اللقب المركّب من التناقض إلّا أنّها حقيقة لا مناص من الاعتراف بها ..

ومع استمرار الثورة الليبية التي دخلت هذه الأيام أصعب وأدقّ مراحلها , يستمر "ملك ملوك أفريقيا" كما يطلق على نفسه استعراضاته المثيرة للدهشة والحيرة, وهو لا يزال يجد الوقت الكافي لتبديل أزيائه العجيبة والتي تُطرح حولها مئات علامات التعجب والإستفهام, وهو لا يزال يظهر بمظهر القائد والملك الممسك بزمام الأمور, وكأنّ الوضع الحالي في ليبيا يشبه إلى حدٍّ كبير الوضع في سويسرا أو غيرها من الدول المستقرة .

القذافي نموذج متمايز للحاكم العربي بما يحتويه من تناقضات واختلافات, إلّا أنّه في جوهره نسخة أصلية من الطبيعة السائدة والرؤية الثابتة لطريقة الحكم وممارسة السلطة عند الزعماء والملوك العرب, وأعتقد أنَّ ردة الفعل الشعبية ضدَّ معمّر القذافي وأمثاله هي أشبه بدَين حالٍّ آنَ له أن يُدفع, وآنَ لمحاكم الشعب أن تنصب لتحاكم المتسلّط الجائر الممعن بالشعب إذلالاً وظلماً وتجويعاً وتغييبا .

لقد كنّا حتى الأمس القريب نندب الزمن الرديء الذي نعيش, ونستصرخ الجماهير لتأخذ قرارها بالانقلاب والتحوّل,وها نحن الآن وقد انتقلنا إلى الزمن الجميل الذي لطالما حلمنا به الليالي الطوال, وأنشدنا له أناشيد الحماسة, وحفرناه وصيةً في ذاكرة أبنائنا..

في هذا الزمن الجميل لا مكان للقذافي, ولا لابن علي, ولا لحسني مبارك, ولا لغيرهم ممّن هم على قائمة الانتظار القصيرة ..

في هذا الزمن الجميل نستعير من " قائد ثورة الفاتح " كلماته الثورية : دقّت ساعة الزحف .. إلى الأمام .. ثورة .. ثورة.. ولكن زحف باتجاه آخر, وثورة للعدالة والحريّة والكرامة الإنسانيّة !...

تعليقات: