هل دخل الحريري في مغامرة تهدد مسيرته السياسية؟

الرئيس سعد الحريري
الرئيس سعد الحريري


اغتيال المسعى السوري السعودي إعلان حرب مباشرة على «حزب الله»

لعل السؤال الأبرز الذي يتولد عن الاغتيال المفاجئ للمعادلة السورية السعودية، لا يتوخى البحث عن هوية «الجناة» أو دوافعهم ومبرراتهم، بل عما قد يليه، وما إذا كان مندرجا في سياق «أجندة» يشكل اغتيال المسعى العربي أول بنودها وبالتالي ثمة خطوات تدريجية مكملة له؟

من الواضح أن الاغتيال أفرز النتائج الآتية:

أولا، غياب شبكة الأمان التي كان يؤمنها الراعيان السوري والسعودي للوضع اللبناني حتى الأمس القريب، وبالتالي دخول لبنان في حالة «كوما» سياسية مفتوحة على أزمة متدحرجة لا أحد يستطيع أن يرسم مسبقا تداعياتها السياسية وغير السياسية لا في الزمان ولا في المكان ولا في النتائج ولا في الوقائع الدراماتيكية.

ثانيا، «إقالة» السعودية من دورها ورعايتها لجهود الحل في لبنان، علما أنها هي التي طرحت ومن خلال ملكها في نهاية تموز 2010، مهمة صياغة التسوية وأقنعت دمشق بذلك لتتولى الأخيرة بدورها إقناع المعارضة اللبنانية بالرهان على المسعى السعودي. لقد شكل ما حصل ضربة معنوية جديدة للمملكة تضاف إلى ضربات مماثلة في ساحات أخرى غير لبنان وتحديدا في فلسطين والعراق، كما أنها تشكل ضربة معنوية للملك شخصيا، وللالتزامات التي قطعها للرئيس السوري بشار الأسد وتحديدا حول المحكمة الدولية وإلغاء مفاعيلها اللبنانية.

ثالثا، اقتران اغتيال المسعى العربي بإعلان غير مباشر للحرب على فريق اساسي في لبنان، وتحديدا على «حزب الله»، مع ما يترتب عن ذلك من دفع للحزب الى تطوير عناصر المواجهة المتوفرة لديه والانتقال من سياسة المهادنة الى الممارسة العملية لاعلى درجات الدفاع عن النفس سواء بخطوات دفاعية تقليدية او خطوات هجومية موضعية تاخذ الطابع الوقائي سياسيا او ميدانيا ان اقتضى الامر.

رابعا، اطلاق موجة تسريبات غير مسبوقة حول صدور وشيك للقرار الاتهامي، وثمة من بدأ يحدد مواعيد أولها يوم السبت المقبل أو الثلاثاء الذي يليه أو في حد أقصى نهاية كانون الثاني.

خامسا، اذا تم التصرف وفق أرجحية صدور القرار الاتهامي، من سيطبقه لبنانيا وبأية ادوات تنفيذية، الدولة اللبنانية، «اليونيفيل» أم «المارينز» أم حلف الناتو أم «الوحدات العربية» التي فكر في استقدامها فريق رئيس الحكومة خلال احداث ايار 2008 كما كشفت وثائق «ويكيليكس»، واكد صحتها النائب وليد جنبلاط؟

سادسا، التعديل الحكمي الذي سيطال شكل اية تسوية لاحقة ـ ان قدر لها ان تحصل ـ اذ ان ما كان جائزا خلال المسعى السوري السعودي قد لا يعود جائزا او ممكنا بعد اغتياله، وبالتالي ليس ما يضمن الا تفرض الوقائع البحث مستقبلا في اعادة انتاج تسوية شاملة وبأثمان اعلى تتصل ببنية النظام السياسي برمته وبكيفية إدارة الحكم ودور كل فئة وحجم شراكتها في القرار السياسي.

سابعا، الارتفاع الحكمي لسقف الشروط والمطالب الداخلية، بما قد يصل الى حد التعجيز سياسيا وحكوميا وبما يجعل عبور الطريق الى رئاسة الحكومة بالامر العسير سواء على سعد الحريري او على غيره من المرشحين المحتملين للرئاسة الثالثة.

ثامنا، خطأ الرهان لدى فريق اغتيال المسعى العربي على ان «حزب الله» قد لا يقدم على اي رد فعل حيال اي اجراء قد يتعرّض له حيال أي قرار يستهدفه.

تاسعا، مع السقوط الدراماتيكي لحكومة سعد الحريري، على أيدي المعارضة، تكون دمشق والحلفاء قد بعثوا برسالة واضحة مفادها أن امكانية التعايش السياسي قد انتهت مع انضمام رئيس الحكومة علنا الى «المشروع الآخر»، وهذا أمر قد يطرح اسئلة حول امكان القبول بعودته الى رئاسة الحكومة.. وفي هذا السياق يمكن ملاحظة الآتي:

- ان تجربة المعارضة مع الحريري اثبتت بما لا يقبل الشك انه لا يضطر الى المضي في خيارات تفرض عليه، بل ان خياراته منبثقة عن قناعات راسخة لديه، وهنا يصب موقفه المؤيد للمحكمة والقرار الاتهامي، بدليل ان الفترة التي قضاها في السلطة لم تكسبه مراس التعامل مع موجبات الموقع ومع الاحداث صغيرها وكبيرها، ولم يستفد من الفرصة الثمينة التي وفرها له الرئيس بشار الاسد، بل فضـّل التمسك بماضي الايام السود والاتهامات السياسية برغم اقراره اللفظي بها وبالآثار السلبية التي ارختها في سماء العلاقة بين بيروت ودمشق.

- ان ما اظهره الحريري للمعارضة طوال الفترة الماضية لم يكن اكثر من ابتسامة مفتعلة. تخفي قناعته بان المحكمة وقرارها الظني هما وسيلته الوحيدة والاساسية للاقتصاص السياسي والشخصي «من قتلة والدي».

- ان المعارضة تعتبر ان الحريري ادخل نفسه من خلال زيارته الأميركية في مغامرة، قد لا تنجو منها مسيرته السياسية.

وفي سياق متصل يروي مرجع كبير في المعارضة حادثتين مرتبطتين بموقف الحريري من التسوية، تفيد الاولى بان وزيرا سياديا بارزا التقى الحريري قبل فترة غير بعيدة، وفتح معه موضوع التسوية التي كانت آنذاك قد بلغت نقطة متقدمة وتوجه اليه قائلا ما مفاده، انا اعتقد ان مصلحتك تكمن في ان تذهب الى تسوية مع «حزب الله» قبل القرار الاتهامي وليس بعده، اذ انها ممكنة ولكن بعد صدور القرار لا امل بتسوية على الاطلاق، ولا اعتقد ان «حزب الله» سيكون لينا بالمعنى السياسي آنذاك بل سيكون اكثر تصلبا. فهم سيرفضون حكما ان يتهموا كما لن يقبلوا ابدا في ان تظهر وكأنك تعقد تسوية معهم من موقع المتسامح. نصيحتي ان تتصالح مع «حزب الله»، الا اذا كنت لا تريد ان تتعامل معهم. الطريف في الحادثة ان الحريري احال الوزير السيادي الى احد المستشارين البارزين لاقناعه اولا؟

تعليقات: