دولة الإنسان !..

دولة الإنسان
دولة الإنسان


.. كان الإنسان ولا يزال محور الوجود وموضع العناية وغاية الغايات في التشريعات والنظم, وعلى الإنسان تدور رحى الآمال والتطلّعات, وله تسخّر الطاقات وتوظف الخبرات, ولأجله يكون بناء الدول وانتظام القوانين والنظم, وباسمه ترتفع صروح الحضارة ويتطاول بنيان المجد والرفعة ..

الإنسان المحور ينشد النظام بالفطرة ويحتاجه كضرورة لا يمكن إهمالها أو تجاوزها, ولذلك فإنّ مشروع الدولة الذي لا يضع الإنسان في أولوياته محكوم بالفشل والسقوط لا محالة, لأنّ الدولة التي لا كرامة فيها لإنسانها هي مجرد تصور وخيال لا حركة فيه ولاحراك, ولا يمكن الرهان عليه أو الثقة به.

لقد ثبت بالتجربة أنّ انتماء المواطن لدولته وإيمانه بوطنه رهن بمستوى موقعيته في هذه الدولة ومحله في الوطن , فالأنظمة التي تضع في أولى حساباتها مصلحة مواطنيها وتسعى لتوفير الحياة اللائقة والكريمة لهم وتسوسهم بالعدل والإحسان, هي أنظمة تُكتب لها الحياة وتدخل بقوة في سباق الحضارات وتضمن لذاتها الموقع المتقدّم والمميز بين الأمم الراقية المتقدمة, وهي بهذه السياسة المتبصّرة تحصد ولاء الشعب الذي لا بدّ وأن يبادلها الإحسان بالبذل والوفاء ويحميها بغاليّ الدماء .

إنّ مشكلتنا في أننا لم نفكر بعد ببناء دولة الإنسان, لقد حاول كل منا أن يبني دولة على قياسه, دولة بحجم مكاسبه ومصالحه وبحدود امتداده الجغرافي والطائفي, ولا ضير لديه إن قامت صروحه على حساب غيره, ولا همَّ عنده إن تقدّمت مصالحه على حساب الآخرين وحقوقهم .

إنّ الآحادية التي ينطلق بها ولاة الأمر في ممارسة الحكم والسلطة وبحدود الذات والمنفعة هي المشكلة الكبيرة والعثرة الثقيلة في طريق الوصول الى دولة الإنسان , وطبيعي أن هؤلاء يناون بأنفسهم عن تذوق مرارة ما صنعوه وما يصنعونه بأيديهم, ليبقى الشعب من يتجرّع مرارة سمومهم ويقاسي ويلات سياساتهم, فتجعله وحده في عراء البؤس والفاقة يستجدي وطناً يحميه من جور الدهر وقساوة الأيام .

وحتى لا نعفي الشعب من مسؤولياته وهو المسؤول عن صناعة السلطة وانتاجها, أو على الأقل مقرّ بوجودها ومستسلم لإرادتها, لا بدّ أن يمارس هذا الشعب حقّه في الرفض لاستنساخ الوجوه وتكرار الزعامات المؤبدة بحكم الوراثة العائلية أو الطائفية, ضروريّ أن يجرّب تداول السلطة وإتاحة الفرصة أمام التجديد في الفكر والرؤية والممارسة.

إننا نحتاج إلى تبديل زعاماتنا احتياجنا الى تبديل ملابسنا وبيوتنا وسياراتنا وهواتفنا, وأظن أننا شعب يألف التغيير ويهوى الحداثة في الشكل والمظهر, فلما لا نجرّب الحداثة في الجوهر وننتج سلطة تحملنا على قارب الأمان إلى دولة الإنسان ؟!..

..

بقلم : الشيخ محمد أسعد قانصو

Cheikh_kanso@hotmail.com

تعليقات: