نصر الله لكوادر حزب الله: عودوا إلى المساجد والفقراء

نصر اللّه: القرار الاتهامي صادر لا محالة (أرشيف ــ مروان طحطح)
نصر اللّه: القرار الاتهامي صادر لا محالة (أرشيف ــ مروان طحطح)


مروحة من الخيارات أمام حزب الله وحلفائه تمتد على 180 درجة: خياراتنا هي بين ألا نحرّك ساكناً، وأن نقوم بتحرك واسع لإحداث تغيير سياسي كبير على مستوى السلطة. هذا الكلام للأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، أمام عدد من كوادر حزبه

منذ بدء حملة حزب الله الاستباقية على المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، يتمحور جزء كبير من الخطاب السياسي والاتصالات الداخلية والإقليمية حول ردة الفعل المرتقبة لحزب الله على صدور القرار الاتهامي الذي من المتوقع أن يحمّل أفراداً من الحزب مسؤولية تنفيذ الجريمة. يرفض الحزب هذا القرار، مشدداً على أنه يؤدي إلى تشريع الأبواب أمام الفتنة. وحتى اليوم، لا يزال الحزب يرفض الكشف عن السيناريوات التي أعدها لمواجهة الآتي إلى البلاد القلقة. وحتى في الجلسات الداخلية، فإن قيادة الحزب لا تزال تتحفظ على ذكر خططها. قبل نحو 5 أسابيع، قال الأمين العام للحزب، السيد حسن نصر الله، في لقاء مع كوادر وسطيين من حزبه إنه لن يقول لهم ما أعدته قيادتهم، «خشية التسريب». قالها بابتسامته المعهودة، ثم ذكّرهم بمراحل من تاريخ الإمامية «أفشل فيها الأعداء ما أعدّه لهم أصحاب الأئمة بسبب إفشاء الأسرار».

وفي لقاء عقد مساء يوم الجمعة الماضي، تحدّث نصر الله بقدر أقل من التحفظ. كان ذلك خلال حفل تخريج دورة ثقافية خضع لها مسؤولون من الصفوف الأولى والثانية والثالثة في الهيئات التنظيمية التابعة للمجلس التنفيذي. في الحفل، ألقى نصر الله كلمة استمرت نحو ساعتين ونصف ساعة (بدأت عند الساعة السادسة وعشر دقائق، وانتهت عند الثامنة وأربعين دقيقة).

في بداية خطابه، توجه نصر الله إلى الحاضرين بكلمة وجدانية ختمها بالقول لمسؤولي الحزب إنه كان يشاهدهم عبر الشاشة وهم يصافح بعضهم بعضاً، مضيفاً: «كنت أتمنى أن أكون بينكم، وأن أسلّم عليكم فرداً فرداً، لكنكم تعرفون الوضع الأمني والإجراءات». ابتسم السيد، لكن بعض الحاضرين دمعت أعينهم. حدّثهم عن الدين والدنيا، مذكّراً إياهم بالفترة التي كان فيها حزب الله أفراداً معدودين: «حينذاك، كان المجاهد يتبرع بنصف ثمن البندقية التي سيقاتل بها. وكانت المساجد عامرة بتلاوة القرآن. أما اليوم، فتسللت إلى أوساطنا أجواء بعيدة عما عهدناه: صار عندنا أشخاص متمسكون بالمناصب الدنيوية. كنا في تجربة الانتخابات البلدية الأولى نضغط على محازبينا للترشح إلى رئاسة بلدية أو إلى منصب المختار، وكان عدد كبير من محازبينا يحاول إبعاد هذه الكأس عنه. أما اليوم، فنجد الكثيرين منهم يخوضون المعارك للاحتفاظ بهذه المناصب لأنفسهم. وداخل الحزب، يرفض بعض المسؤولين تسلّم ملفات لأنهم يرون أنها لا تليق بهم. فهل هذا معقول؟ دعا السيد مسؤولي الحزب للعودة إلى المساجد، مشدداً على أهمية التدخل الإلهي في صنع النصر. وتوجّه نصر الله إلى المسؤولين المتخرجين، طالباً منهم الاهتمام بمن يعملون معهم، وخاصة أولئك الذين يعملون تحت إمرتهم. دعاهم إلى تحسس آلام الفقراء في مجتمعاتهم، والالتفات إليهم، والابتعاد عن مظاهر الترف التي لا تورث سوى الشبهات، وتدفع الناس إلى طرح السؤال الطبيعي في هذه الحالة: من أين لك هذا؟

وقال نصر الله في خطابه إنه كان مؤيداً لمشروع داخلي في الحزب يتعلق بتغيير جوهري للهيكلية التنظيمية، لكن تبين أن ذلك المشروع غير قابل للتنفيذ.

وبعد نحو ساعتين من الحديث الديني ـــــ الأخلاقي، انتقل نصر الله إلى الحديث عن الواقع السياسي الراهن. أجرى سرداً تاريخياً مختصراً لتطور حزب الله، من مجموعة صغيرة إلى جسم كبير له تأثيره في المنطقة كلها: في إيران، كلمتنا مسموعة. وفي سوريا، يستشيرنا الرئيس الأسد في الكثير من القضايا، ولنا أصدقاء نؤدي أدواراً مهمة معهم في العراق وفلسطين.

أما في لبنان، ومنذ أن اتخذ حزب الله قراراً بخوض معركة ضد المحكمة الدولية، فإنه تمكن من تهشيم القرار الاتهامي المنوي إصداره. وهذا القرار، بحسب نصر الله، «صادر لا محالة»، إلا أن ما تغير هو أن حقيقة كونه سياسياً باتت راسخة في ذهن الجمهور. وعن سيناريوات ما بعد القرار الاتهامي، قال نصر الله «إن ثمة مروحة من الخيارات أمام حزب الله وحلفائه تمتد على 180 درجة: خياراتنا هي بين ألا نحرك ساكناً، وأن نقوم بتحرك واسع لإحداث تغيير سياسي كبير على مستوى السلطة، وما بينهما».

وفي اللقاء، شدد نصر الله على أهمية المسعى ـــــ السوري السعودي الهادف إلى تحقيق تسوية عادلة في البلاد، مشيراً إلى أن ما يسرع التوصل إلى نتيجة هو اقتناع القيادة السعودية بخطورة الأوضاع، وبأن القرار الاتهامي قد يؤدي إلى خراب البلد.

وراى نصر الله أن خصوم الحزب وأعداءه راهنوا في الفترة الماضية على ابتعاد حلفاء حزب الله عنه، سواء الرئيس نبيه بري أو العماد ميشال عون أو الحلفاء داخل الطائفة السنية. ووصف نصر الله العلاقة بين حزب الله وحركة أمل بأنها استراتيجية، ومن «الألطاف التي كان لها الفضل الأبرز في حماية المقاومة».

واستبعد الأمين العام لحزب الله حصول عدوان إسرائيلي قريب على لبنان، لأن الإسرائيليين لم يُنهوا بعد استعداداتهم لمواجهة المقاومة، وخاصة في جبهتهم الداخلية، حيث باتوا مقتنعين بأن أي حرب مقبلة ستتضمن إجلاء عدد كبير من المستوطنين عن المناطق التي يقطنون فيها.

تعليقات: