زيارة إلى حارة الضبع تعيدك إلى سحر دمشق

من أزقة «باب الحارة»
من أزقة «باب الحارة»


دمشق:

الدخول إلى حارة الضبع هو حلم، ترى نفسك وأنت في قلب أحيائها مذهولا، لأن الواقع يخالف الذاكرة، فتتوقف عن التفكير وتذهب الى الأماكن الحقيقية التي جسدت الشخصيات السورية في زمن الاضطهاد العسكري والسياسي.

أنت في بهو الباب الكبير، وضعتك الصدفة على عتبته، إنه باب الحارة الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، وكأنك أمام سحر التاريخ الدمشقي القديم. صور الشوارع والأزقة، والحارة البسيطة وواقعها المحلي المقتبس من المجتمع الذي يتمسك بالتقاليد والطقوس الخاصة، تعيدك إلى المسلسل الذي جذب الكثيرين، تدخل وتصبح داخل الساحة فتغيب مع المشهد وكأن «الكاميرات» أشعلت جدرانها وأزقتها، ودكاكينها المنتشرة على الجنبات.

أنت في قلب الساحة، لا تصدق ما تراه بأم عينيك وكأنك تعيش لحظات المسلسل مباشرة من قلب الحدث. قهوة أبو حاتم، مغلقة على نفسها، على انفعالات الناس ومشاكلهم وصياح «النمس» و«عجقة» أبو جودت، وتساؤلات صاحب القهوة، والنافذة نفسها التي تطل على الساحة تذكرك بالحكواتي وهو يروي قصص عنترة وغيرها، وتخبرك عن أسرار الحارة وما كان يحاك ضدها.

عندما تقف أمام حانوت أبو عصام يأخذك المشهد إلى حيث كانت أحداث القصة بجزئياتها الصغيرة، حتى كرسي الحلاق، ما زالت تتسمر في مكانها، والمختبر الذي كان يحضر للناس أدويتهم في زاوية من زوايا الحانوت ما زال على حاله، كأنك في حضرة المسلسل، وعصام يحاول أن يستدرجك إلى جلسة حلاقة، على الطريقة القديمة، يستعمل الموس الذي يحكي حكايته مع أهل الحارة، ويشرح مشاكلهم ومعاناتهم اليومية.

تشعر وكأنك في بيئة أخرى بين الأحلام والآمال، زواريب الحارة أشبه بأزقة خالية تركض فيها بحثا عن أهلها، وناسها، متروكة بعد عناء التصوير والحركة التمثيلية البارعة، تتخيل المشاهد وكأنك في قلبها، تحس بأقدام أبو جودت وعسكره الفرنسي وحركات وجهه وشاربه الذي ينشد شعرا حركيا، وانفعالات متعددة المفاهيم، وقد يقودك هروبك من طيفه إلى الديوانية، علك تجد فيها زعيم الحارة، و«العقيد معتز ومن قبله أبو شهاب، ومعه الشيخ عبد العال لتنقل لهم جور «الباش شاويش»، وتجنيه.

في الديوانية، تستيقظ من الحلم. هنا جلس، أبو بشير، وإلى جنبه أبو مرزوق «الخضرجي»، ووراء الطاولة كان الزعيم، ومن ثم أبو شهاب حتى انتهى المطاف بـ«مأمون» الضابط الفرنسي نمر منتحل الصفة، ومن حولهم كان معتز بانفعالاته وحدته، كل شيء يشهد على ما كان يدور، ويجري بأحداث تقنية مبتكرة.

الجامع المزخرف في وسط الحارة، بمئذنته، حيث كان الشيخ عبد العال يؤذن بالناس، الطريق التي وصلت منها إلى الجامع تخرجك إلى مكان آخر هو حارة «الماوي» وأول ما يلفت نظرك، ديوانية عقيدها، ومن ثم حانوت أبو النار، تتسكع فيه وتتطلع الى محتوياته فيلفتك الموقد الذي كان يصهر الحديد، ويسوي حوافر الأحصنة. وكرسي الرجل القوي، بشكيمته وبنيانه موجودة وإبريق الشاي، يشهد على كل الجلسات التي لم تكن تستفيق سوى على صوت «النمس»، «إي والله حيا الله، لعيونك أبو النار هالرقبة سداده...».

وتخرجك الأزقة إلى الساحة المطلة على مخفر أبو جودت. هنا أصيب نوري ولقي حتفه، وهناك على الدرج المطل وقف شاويش المخفر، يلوح بقضيبه «الخيزران» لكن الأهم في الموضوع السجن الذي بقي من دون رتوش، بقضبانه الحديدية، حيث كان أبو حاتم ضيفه وضحية النصب والاحتيال.

حارة الضبع تستهويك بجدرانها وأزقتها إنها مثال شعبي محض للعائلة السورية المتماسكة التي عاشت عصرا مديدا، بتلاحمها وعنفوانها، وعاداتها وتقاليدها، ويكفي أن الدخيل «مأمون» الذي انكشف بعد أن تلاعب بمصير الناس البسطاء، يكفي ذلك ليدلك على المكان الذي أعدم فيه في الساحة الرئيسية وكانت فريال من أعدمه، لتنهي زيارتك إلى هذا المحفل التراثي الضخم وأنت في منتهى الإعجاب...

تعليقات: