قرى جديدة تنمو بهدوء.. تنزرع على تخوم البقاع الغربي – الجنوب


على تخوم البقاع الغربي – جبل عامل التاريخية تنشأ قرى، بأموال كثيرة ومصادر تمويل حُكي عنها الكثير. لكنها الآن في حكم الموجودة. على تخوم كفرحونة والقطراني وبرغز، وكانت بالأمس جرداء لا زرع فيها ولا ضرع. وكأنها قرى للاستهلاك!.. رحلة نحو القرى الغامضة في هذا التحقيق الذي حاولناه مصوراً قدر الإمكان...

رجل الأعمال علي تاج الدين، إسم لمع فجأة في الاعلام رغم تاريخه الطويل في عالم التجارة والإستثمار، إشترى مليوناً ومئتي ألف متر مربع في محيط بلدتي السريرة والقطراني في قضاء جزين، وفي خراج بلدة برغز في البقاع الغربي وأقام تجمعات سكانيّة تضم شققاً بحال متوسطة لناحية المواد والتجهيزات الداخلية والبناء.

القطراني الجديدةكما إشترى أبناء البقاع الغربي من يحمر وسحمر ولبّايا وقليا ومشغرة وزلايا وعين التينة منازل وشققاً متنوعة الأحجام والأسعار وصولاً إلى أبناء قرى قضاء بعلبك الشمالي والشرقي والغربي، إضافة إلى أبناء الجنوب كالخيام ومرجعيون وغيرها. وهم، إلى الآن، جميعاً من الطائفة الشيعية.

ويُعد قيام رجل أعمال يبحث عن الإستثمار، بشراء أراض جرداء في برغز وبناء مجمعات سكنيّة ومحال تجارية ومصانع ومعامل ومدينة ملاهي ومستوصفات، أمرا مستغربا، لأن المستثمر، كما هو معروف، يبحث عن الربح السريع. فالمشروع لا يزال في بداياته، ويظهر من الأعمال الجارية أن ثمة نيّة للتوسع الى ما هو أكبر خاصة في برغز حيث أن طرقات جديدة قد شُقت للبدء بأبنية جديدة هي قيد الإعداد.

توجهنا إلى مزرعة القطراني عبر جزين- كفرحونة، البلدة الجبلية الخضراء الجميلة والسياحية، لكنها وللأسف شبه خالية من السكان ربما لأن موسم الصيف لم يبدأ بعد رغم إنتشار الفيلات والقصور.

وعلى بعد كيلومتر تقريبا نصل القطراني فنجد وسط الأخضرارالدائم، مجمعات سكنية مرتبة، تتوزع على إحياء، ومحال تجارية متنوعة، نسأل عن مكتب شركة تاج الدين بهدف شراء شقة سكنية، يدلنا أحدهم على مكتب المديرالمسؤول في القطراني الذي يقابله زميل له في برغز أيضاً.

خلال المسير تعرض علينا إحدى السيدات شقتها للبيع. وتقول إنها إشترت شقتين، وترغب ببيع واحدة منهما ربما طمعا بإرتفاع الأسعار حيث علمنا أن الشقق التي بيعت في البداية بلغ سعرها 15 ألف دولار فقط. ولما سألناها عن الأسعار أخبرتنا أنها إشترت شقتها بأقساط مريحة مع تسهيلات وترتيبات عبر وزارة الإسكان في حال رغبنا بذلك.

في المكتب الإستثماري نتلقى أيضا عرضا مناسبا: شقة بـ50 ألف دولار أربع غرف مع منتفعات وحمامين ومدخل مرتب وجنينة صغيرة مزروعة بالورود تحيطها حجارة الكلّين المعروفة.

أما شقة الغرف الخمس فتباع بسبعين ألف دولار. يتقدمها دفعة أولى عبارة عن ألفي دولار، وتقسيط شهري قد يصل إلى 350 دولاراً. أما ميزة الشقة فإنها جاهزة للسكن فور توقيع العقد في مكتب آل تاج الدين في حناويه في صور.

لا تنوّع مذهبي

والكلام نفسه يردده من إلتقيناهم في برغز، البلدة التي قصدناها عبر طريق ترابية طويلة منتهية الصلاحية لم تعرف الزفت منذ الإستعمار الفرنسي. ولكن ما لفت نظرنا هو أن من إلتقيناهم كانت البسمة والفرحة تعلو وجوههم إضافة إلى حُسن إستقبالهم لنا.

تنقلّنا بين الأحياء في القطراني التي تبدو أنها إلى الآن لا تزال ضمن مساحة أقل من مساحة برغز. وكالعادة وجدنا في القطراني وبرغز الأعلام الحزبية، مع غياب كليّ للتنوع الحزبي لأن معظم من شاهدناهم كانوا من الملتزمين دينيا. ورغم ذلك لا مساجد أو كنائس إلا حسينية صغيرة عبارة عن غرفة واحدة مقسومة بشرشف قماش أصفر للفصل بين المصلّين والمصليَات. إذن أين يُحيي أهالي المنطقتين شعائرهم الدينية؟

المساحات والأسعار

بأسعار تتراوح ما بين 55 الف لأربع غرف، و70 ألف لخمس غرف ودفعة أولى صغيرة وتقسيط شهري يناسب دخل الفرد العادي، يمكن أن نعرف أن ثمة قصداً من وراء التسهيلات منها إستجلاب فئة محددة من طبقة إجتماعية معينة لا قدرة لها على شراء أراض في قراها، وقد عبّرعن ذلك القاطنون حين سألنا إحدى السيدات من مشغرة: لماذا تركت مشغرة لتسكُني في القطراني بعيداً من أهلك، فردّت: قائلة أن الأراضي في بلدتها مرتفعة الثمن، وأن ما من مشكلة بالنسبة إليها، لأن المسافة بين القطراني ومشغرة لا تتعدى مسير 20 دقيقة بالسيارة.

برغز وإرث... المقاومة

تتميز برغز، بأنها منطقة جرداء لا شجر ولا نبات فيها، وعلى إمتداد عشرات الكيلومترات تنتصب مبان ومحال ومدارس ومحطات بنزين.

أما الغائب الوحيد فهو الزفت الذي لم يصل إلا الى "جسر الدلافة" (الذي بناه في الثمانينات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الراحل أبو عمار)، وقصفه الطيران الإسرائيلي ليقطع الإمدادات عن المقاومة الفلسطينية. وكان وزيرالأشغال العامة غازي العريضي قد أعاد إفتتاحه في العام 2010 ليُعيد التواصل بين منطقتين تشكلان معبراً للمقاومة إلى اليوم، لكن يبدو أن سعادة الوزير لم يمرعلى هذي الطريق من جهة بلدة "السريرة" الصغيرة والمهجورة أصلا إلا من وجود مركز عسكري للجيش اللبناني. ومن المؤكد أنه وصل إلى الدلافة عبر بلدة قليا وعاد أدراجه عبرها، فلم تدخل سيارته السريرة، وإلا لكان شاهد الويلات على مساحة تمتد لأكثر من 3 كيلو مترات.

وخلال الإنتقال ما بين القطراني وبرغز وقفنا مع بعض المارة نحاول ثنيهم عن إكمال مسيرهم إلا أنهم قالوا أنهم إعتادوا العذاب اليومي، وأخبرونا أن الهيئة الإيرانية تبرعت بتزفيت الطريق إلا أن ثمة معوّقات إدارية خلال حكومة الرئيس السنيورة أجّلت المشروع.

القطراني القديمة مهجورة من اهلها

مدارس البلدتين الناشئتين

في مستعمرتيه (وهو تعبير مجازي) الجديدتين شيد تاج الدين مدرستان: الأولى، مدرسة الأحمدية النموذجية وتضم 170 تلميذاً وتلميذة. والثانية، مدرسة القطراني النموذجية، وتضم 70 تلميذاً وتلميذة. ويتكون فريق التدريس من أساتذة ومعلمات من مختلف الطوائف ومن أبناء المنطقة تحديداً، كما يقول المشرف على المدرستين خضرالموسوي، يدرّبهم خبراء تربويون مختصون لتحسين المستوى التعليمي لأبناء المنطقة ليتساوى مع مستوى أبناء القرى المحيطة، علما أن الاقساط شبه مجانية للمرحلة الإبتدائية حيث تبلغ 600 ألف ليرة فقط سنوياً.

هذه المشاريع السكانية والتجارية والتربوية والإقتصادية المتنوعة، لفتت النظرإليها، وأحاطت الموضوع بأسئلة كثيرة ولا تزال إلى الان تنطلق علامات الإستفهام من جهة والإعجاب من جهة أخرى.

والإستغراب الناشئ أطلق سلسلة من الإسئلة من قبل أهل المنطقة: ما الذي يجري؟ وما سر بناء بلدات جاهزة؟ تحوي شققًا وبيوتًا مستقلة؟ وشراء عشرات الآلاف من الدونمات في المناطق؟ ولماذا يجري ذلك لوصل مناطق الجنوب بالبقاع الغربي، والتي لا يوجد فيها بلدات بل بعض المزارع الصغيرة.

قنبلة جنبلاط

شورارع مقفرة في برغزفي العام 2005 فجرالنائب وليد جنبلاط قضية بيع أراض في منطقة جزين، فاتحا لملف فيه الكثير من الحساسيات السياسية، كونه يمس فريقا أساسيا في لبنان، وجاءت إثارة هذا الملف في الفترة التي حفلت بالتوترات بين 8 و14 آذار. وخوف جنبلاط ناتج من كون منطقة حاصبيا تشكل إمتدادا طبيعيا لمنطقة الشوف ذات الغالبية الدرزية والمتصلة جغرافيا بقضائي عاليه وبعبدا.

لكن لماذا تتم دائما إثارة المخاوف من عمليات شراء أراضي في لبنان من طرف من طائفة ما الى جهة من طائفة أخرى؟ مع الإشارة إلى أن الخليجيين يشترون مساحات شاسعة في الجبل دون أية إثارة للموضوع، وقد تعدت نسبة الشراء ال 3% المقررة رسميا لتصل إلى ما يساوي 7% إن لم يكن أكثر وتحت غطاء رسمي لبناني.

ومنطقياً نجد أن الترابط الجغرافي بين المناطق الشيعية وشراء الأراضي هي الإستراتيجية التي تجمع مثلث مناطق البقاع الغربي وراشيا الوادي شمالا، وجبل عامل غرباً وجنوباً ومنطقة جزين شمالاً، إضافة إلى أنها تقع في نقطة حدودية تجمع بين شمال فلسطين والجولان السوري المحتلين.

وفي التعابيرالطوائفية نسمع "أن السيطرة على تلك المنطقة عقاريا تعني الإمساك بها ديموغرافيا وسياسيا، إضافة إلى أنها تشبه حجر الزاوية الذي يتجمع داخله وعند أطرافه كل الطوائف اللبنانية من مسيحيين وشيعة وسنّة ودروز".

الفقر الجامع

برغز الجديدةلكن العامل الأهم في وحدة حال سكان تلك الأنحاء هو الفقر الذي يجمع الأكثرية الساحقة، ما يصعب التمييز بين أبنائها الفقراء الذين إستعانوا على أوضاعهم المتردية بالعمل في الزراعة وتربية الحيوانات، وخصوصاً زراعة الزيتون ومواسم الفاكهة الصيفية والموسمية، إلى جانب الإنخراط في إدارات الدولة ومؤسساتها وخصوصا العسكرية من جيش وقوى أمن داخلي.

مختار وبلديات؟!

بالعودة إلى رحلتنا السياحية التي لم نلحظ خلالها عمالا زراعيين في برغز أو في القطراني إلا أننا لحظنا إنتشار المحال التجارية بكثرة، علما أن الزبائن هم أبناء القريتين الصغيرتين فقط، ما يدفع إلى السؤال ما هو نوع العلاقات التي ستنشأ بين الملاّك الجُدد، وهل يحق لهم بعد فترة ببلدية ومخاتير؟ علما أنه غابت عن المكانين النوادي الثقافية والمقاهي ومقاهي الأنترنت، وكيف سينسجم هذا الخليط السكاني ما لم يكن متفاهما على نقاط مشتركة وعلى العيش معاً.

إشاعات تخويفية

مدرسة برغزالمشكلة قد بدأت بعد شيوع الأخبارعن بيع قطعة أرض شاسعة في قضاء حاصبيا، حيث أقدم إبن إحدى العائلات الدرزية المعروفة (شمس) في المنطقة على بيع مزرعة أو قطعة أرض في منطقة ضهور كوكبا، وتمتد من مجرى نهر الليطاني غرباً الى ضهور كوكبا وكروم حاصبيا شرقاً، وجنوباً في إتجاه منطقة برغز وشمالاً في إتجاه بلدة الدلافة.

ويقدّر أهالي المنطقة مساحة الأرض التي بيعت بمئات الآلاف من الأمتار المربعة الخصبة والصالحة للزراعة، بسعر مغر جداً، ما أثار إستهجان الأهالي في حاصبيا ومرجعيون والذين يعلمون جيداً أن أحداً لم يسكن تلك الأنحاء، إلا رعاة القطعان، فلماذا دفع هذا المبلغ المغري ومن يقف وراء هذه الصفقة التي أتاح إتمامها تأمين الإتصال بيجسر الدلافةن مناطق من لون طائفي معين في قضاء مرجعيون وأخرى عند أطراف البقاع الغربي.

تساؤلات

المتمول علي تاج الدين يرفض بدوره، إجراء أي لقاء إعلامي، فالأمر بحسب أحد المقربين منه لا يعنيه، فهو مشغول بأعماله الإستثمارية والخيرية. فآل تاج الدين معروفون بأعمالهم في لبنان والخارج. لكن هل تكفي التوضيحات التي صدرت وتصدر عن حزب الله؟ وهل يكفي صمت آل تاج الدين لوقف الحملات الإعلامية حول الموضوع؟ أليس من حق الناس معرفة أسباب الإستثمار في منطقة مثيرة عقارياً وديموغرافياً ويبقى السؤال هل هدف آل تاج الدين مالي إستثماري؟ أم له أبعاد تتعلق بمستقبل الطائفة التي ينتمي إليها؟ سؤال برسم الزمن.

المتمول الجنوبي علي تاج الدين إشترى، من أحد أبناء عائلة شمس في حاصبيا، مليونين ومئتي ألف متر مربع في محيط بلدتي السريرة والقطراني في قضاء جزين،.كما إشترى 300 ألف متر مربع في منطقة برغز التي تصل مرجعيون وقرى في البقاع الغربي وراشيا حيث بنى تاج الدين 1600 وحدة سكنية تصل مدينة جزين التي تشكل المعبر الذي يربط الجنوب بالشوف وصيدا.

خلال جولتنا على بلدتي القطراني وبرغز الجديدتين وجهنا سؤالاً، من وحي الجو السياسي المنتشر، هل من ملاجئ متوفرة؟ وفاجأتنا إحدى السيدات بقولها: "إن نوعية القصف لا يُبقي للملجأ أي قيمة".

وإلى أين ستلتجئون في حال أي إعتداء جديد من قبل العدو الإسرائيلي على لبنان؟ كان الجواب أن: "قوات الاحتلال لن تجرؤ على تكرار ما فعلته في تموز 2006"؟!







تعليقات: