عبد المحسن الحسيني «فتى» في الرابعة والسبعين: «خال» صور وقضائها

«خال» منطقة صور عبد المحسن الحسيني
«خال» منطقة صور عبد المحسن الحسيني


صور:

حين كانت رحى عدوان تموز 2006 تعصف بالجنوب وأهله تحت نيران المقاتلات الإسرائيلية وبوارجها وألويتها الحربية من كل طراز ونوع، استمرّت مدينة صور في صمودها بأهلها وبمقاوميها ومن بينهم هامة رجل ظللت بوابة القرى الحدودية وقضاء بنت جبيل، رجل خرج عن المهمة التقليدية لرئيس البلدية ليفتح ذراعيه محتضناً القرى المنكوبة بنازحيها وأوجاعهم، وبشهدائها.

صحيح أن رئيس اتحاد بلديات صور عبد المحسن الحسيني، تعاون مع آخرين لم يتركوا صور مثله في الظروف الأقسى وأكثرها دموية، ولكن قلّ أن تجد شخصية جامعة كشخصية «الخال»، كما يناديه أبناء صور ومنطقتها والكثيرون من عارفيه، واضحة بتوجهها السياسي، ولكنها محبوبة من الجميع بغض النظر عن مواقعهم الحزبية والسياسية.

اليوم، وبعد ست سنوات ونيف على عدوان العام 2006، وتسعة أعوام على توليه رئاسة بلدية صور، ينهض ابن الرابعة والسبعين صباح كل يوم، بفائض جديد من العطاء والمثابرة.

وفي اللحظة التي أنهى فيها، ومعه صور بأهلها، تسليم «وديعة» جثث الشهداء في تراب المدينة، التفت «الخال» إلى عمل أكثر حساسية ونفعاً على منطقة جنوب النهر بأسرها.. ركّز عبد المحسن الحسيني، ومن تجربته الطويلة في العلاقة مع كتائب القبعات الزرقاء جنوباً، على توطيد علاقة «اليونيفيل»، وتحديداً القوات المنتدبة إثر القرار 1701، بالأهالي، مضيفاً إلى انشغالاته مهمات أخرى وعلاقات خارجية سرعان ما تبدت نتائجها على ألأرض، إذ بدا الرجل «سفيراً فوق العادة» لقوات حفظ السلام، وراعياً أبوياً للكثير من المشاريع الإنمائية المنفذة في البلدات والقرى الخارجة من أتون العدوان المدمر.

لا يمكن فصل تاريخ الحسيني «رئيس اتحاد بلديات صور» منذ العام 2004، ورئيس بلدية صور من 2001-2010، عن حاضره السياسي والاجتماعي.

انتقل ابن بلدة «جناتا» الى صور في مطلع أربعينيات القرن الماضي ملتحقا بوالده «السيد» الذي كان يعتاش من دكان صغير في المدينة البحرية. وبالتزامن مع دراسته المتوسطة والثانوية، عمل الفتى في زراعة أرض العائلة في منطقة قدموس شمالي صور.

في العام 1956، جذب فكر انطون سعادة الشاب العشريني فالتحق بالحزب السوري القومي الاجتماعي ملتزماً لمدة خمس سنوات، ليخرج بعدها من صفوف الحزب على خلفية الانقلاب الذي قاده القوميون في العام 1961.

مع بداية الستينيات، ترك الحسيني صور مهاجرا باحثا عن حياة اقتصادية أفضل في أفريقيا، وبالتحديد في ساحل العاج لغاية العام 1979. وفي الفترة التي سبقت عودته النهائية الى لبنان، وجد الحسيني في فكر الامام موسى الصدر وانفتاحه «خشبة الخلاص». وشكل يوم القسم الذي أطلقه الصدر من ساحة بوابة صور تحت شعار «عدم بقاء محروم واحد في لبنان»، منعطفا جديدا في إيمان الحسيني الاجتماعي والإنساني.

ابتداء من العام 1983، وفي ذروة الاحتلال الاسرائيلي للمنطقة، تابع «الخال» هموم أبناء المدينة على الرغم من قسوة الاحتلال وممارساته العدوانية، من خلال ترؤسه «هيئة تنمية مدينة صور» تعويضا لدور البلدية التي كانت منحلة في ذلك الحين.

على امتداد تلك الفترة التي استمرت حتى تاريخ إجراء الانتخابات البلدية الأولى في العام 1998، بعد انقطاع دام أكثر من عقدين ونيف، انخرط الرجل القريب من رئيس مجلس النواب نبيه بري في صفوف حركة أمل في العام 1989، وعين مسؤولا ماليا لشعبة أمل في صور.

والى مهمات عدة اضطلع بها، يترأس «الخال» منذ العام 1985 لجنة دعم مستشفى صور الحكومي التي تأخذ حيزاً من متابعاته لتحسين المستشفى الذي حضن في عدوان تموز مئات النازحين، وعشرات جثامين الشهداء..اليوم تجد في قلب الحسيني غصة كبيرة.. لم يلق صوته المنادي دائما ببناء مستشفى حكومي يليق بصور ومهمتها، الصدى التنفيذي بعد، رغم توفر التمويل الكويتي للمشروع منذ انتهاء عدوان تموز 2006.

اليوم، وبعدما تنحّى الحسيني طوعاً عن رئاسة بلدية صور في الدورة الأخيرة، «إفساحاً في المجال أمام تغيير شبابي في مواقع السلطة»، يوزّع الرجل اهتماماته ونضاله على أكثر من مجال. لم ينس سياحة صور وموقعها كمتنفس سياحي للجنوب بأثره، ولكنه ظل مؤمناً بأهمية القطاع الزراعي الجنوبي وفي تأمينه اكتفاء ذاتياً لآلاف العائلات الصغيرة الفقيرة. وتابع الخال من موقعه ومعارفه وعلاقاته، ومن مركزه كنائب لرئيس تجمع المزارعين في الجنوب، تطوير القطاع بما تسمح به السياسات الرسمية المتبعة حياله. وشكلت شخصية الحسيني المتميزة تقاطعا بين «حركة أمل» وفعاليات المدينة السياسية والروحية والاجتماعية، نتيجة لابتعاده عن لغة التصادم والتحدي، طابعاً صور، أو أنها هي التي طبعته، في بعض ملامح شخصيته كمدينة وسطية في محيط ملتزم دينياً وحزبياً بوضوح.

في ذروة عدوان تموز 2006 كان عبد المحسن الحسيني لا يهدأ ولا ينام. قضى الرجل أيامه الثلاثة والثلاثين جوالاً على مراكز النازحين في المدينة، رافعاً صوته إلى العالم عبر الصحف وأثير الإذاعات والفضائيات المحلية والعربية والدولية، حتى أصبح مرجعا لمطالب الناس وهمومها.

أنشأ «الخال» ابو ظافر علاقات على أعلى مستويات مع جنود حفظ السلام الدوليين وقياداتهم وعلى رأسها القائد السابق الجنرال الايطالي غلاوديو غرازيانو الذي كان يناديه «بابا»، والجنرال الحالي ألبرتو اسارتا كذلك مع القيادات المتعاقبة للوحدات الايطالية والكورية والتركية.

يعتبر الحسيني ان علاقته مع «اليونيفيل» هي علاقة «أب بأبنائه، فهم جاؤوا من أقاصي الدنيا لمساعدتنا وبلسمة ما خلفه العدوان الاسرائيلي من قتل ودمار وخراب، وزرع الأرض بالقنابل بدل القمح، عماد رغيف الفقراء».

يتوقف أبو ظافر عند «هؤلاء الجنود الذين فتحوا، عبر حكوماتهم وسفرائهم، لنا الطريق واسعا أمام عدد كبير من المشاريع الحيوية لصور وبلداتها التي شهدت تحولا على مستوى الخدمات والبنى التحتية وصولا الى ملامسة الحياة اليومية لأبنائنا من خلال فرص العمل على سبيل المثال، إضافة إلى نسج علاقات واتفاقات توأمة مع العديد من اتحاد البلديات والبلديات، ومنها توأمة مع مقاطعة برشلونة الاسبانية واتحاد جنوب فرنسا واتحاد مقاطعة توسكانة الايطالية واتحاد مقاطعة نابولي».

خرج الحسيني في انتخابات العام 2010 من رئاسة بلدية صور التي عاد اليها عضواً، فانتدبته الى اتحاد بلديات صور ليصبح رئيسا بالإجماع لدورة ثانية.

عن هذا الاستحقاق، يقول الحسيني انه ترك المجال أمام الطاقات الشابة «انطلاقا من مفهومنا لتداول السلطة أولا، وفتح الطريق امام كل من يعطي للمدينة من وقته واهتمامه».

ويخلص «الخال» الذي تحتشد في مكتبه في اتحاد بلديات صور الصور التي تجمعه مع الأمين العام للامم المتحدة بان كي مون وعدد من قادة «اليونيفيل»، والأوسمة التي نالها من رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان والرئيس الايطالي وغيرهما الى القول «إن صور تستحق كل شيء ويجب ألا نبخل عليها فهي حضن المقاومة والعروبة وعروسة المتوسط ومنبت الحضارات ومثال العيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين وبين المسلمين والمسلمين».

تعليقات: