إيلي شويري: «فضلو» المشاغب لم يفارق عرزاله

إيلي شويري
إيلي شويري


«هناك أنفاق في حياتي. عندما أدخل نفق الماضي، أفقد قدرتي على المتابعة نحو الأمام. وعندما أتوجّه نحو الأمام، أخاف أن أنسى الماضي، لذلك أتريث حالياً في كتابة ألحان لأحد. ثمة حزن في المسألة. لم يعد هناك مسرح غنائي في لبنان أكون عنصراً فيه». بهذه الكلمات يعبّر إيلي شويري عن حسرته. صاحب «بكتب اسمك يا بلادي» التي استحالت مع السنين نشيداً قومياً عربياً، تماثل أخيراً للشفاء بعد عمليّة قلب مفتوح أجراها قبل أشهر. ينظر بأسى إلى أشرطة لخمسين لحناً كدّسها فوق رفوف مكتبته، بانتظار قرارات مالية تنحو بها نحو الطبع. مع ذلك، تجده لا يتوقّف عن التأليف والتلحين...

في بيته الصيفي في بزمّار في قضاء غوسطا (المتن)، يمضي وقته في سكون الطبيعة على علو ألف متر فوق سطح البحر. أعدّ القهوة المرّة بنفسه، وبدأ يتذكّر معنا طفولته في الأشرفيّة. في الحي القريب من مدرسة راهبات اللعازارية، ولد الابن الأصغر للمعلم نقولا، صاحب ورشة تنجيد المفروشات، من أم حمصيّة عام 1939. هو الخامس بين أشقائه، بعد صبيين وبنتين. ترعرع بين محلة المزرعة، مسقط رأس والده، والأشرفية حيث عاشت العائلة في حي مكلّل بالقرميد. في عرزال الساحة، بدأ يكتشف قدراته الصوتيّة. «كنت أصعد إلى العرزال، أغني وأُسمِعُ الناس صوتي. وكانت الراهبات في المدرسة القريبة يشتكين للشرطة من تشويشي على الصفوف. لكن العناصر الذين كانوا يأتون مسرعين لإسكات ذلك المزعج، كانوا «سرعان ما يأنسون إلى مواويلي فيتركونني». كان يحفظ أبرز ما غناه عبد الوهاب وأم كلثوم وأسمهان في الأربعينيات.

في الخامسة عشرة، أسس مع أترابه جوقة غنائية، كان يردّد فيها المواويل العراقية التي حفظها عن والده. ترك مدرسة «مار منصور» في نهاية المرحلة المتوسطة، وعمل حلّاقاً نسائياً، لكنّ عمله في تلك المهنة لم يطل، إذ سقط مرةً من على دراجته النارية وأصيب بيده. أحد رفاق الكار وجّه إليه دعوة لقضاء فترة نقاهة في الكويت، فوافق. هناك وبينما كان يعبر أحد الشوارع، قرأ لافتة كتب عليها «دار الإذاعة الكويتية»، وكانت في مرحلتها التجريبية الجديدة مطلع الستينيات. انتسب إليها مؤدّياً في فرقتها الغنائية، بعدما خضع لاختبار أشرف عليه موسيقيّون من فرقة أم كلثوم. «قمت بتجربة وغنّيت موالاً بغدادياً، المصريون لا يعرفون الموال البغدادي. كان هناك موسيقيون عراقيون، أُعجبوا كثيراً بالطريقة التي غنيت بها لإيليا بيضا والياس ربيز. يومها قبلني مدير الإذاعة عبد العزيز جعفر».

صار ينام في الاستديو، بين الآلات الموسيقية، وشجّعه المطرب الراحل عوض الدوخي، إلى جانب الملحن المصري مرسي الحريري على تعلّم العزف على العود. تشاء المصادفة أن تصل إلى الكويت فرقة «الأنوار» لمروان وبديعة جرار مع توفيق الباشا وزكي ناصيف والمخرج نزار ميقاتي، إلى جانب سعاد هاشم ووديع الصافي. قدّموا يومها حفلات في صالة «الأندلس»، وحضرت «الإذاعة الكويتية» لتسجيل الأغاني. «عندما سمعت ما سمعت، ورأيت المرحلة التي وصل إليها لبنان في المستوى الموسيقي، صرت أبكي، وقرَّرتُ العودة». كان ذلك عام 1962. فور عودته، كان روميو لحود يستعدّ لعرض مسرحية «الشلال» في «مهرجانات بعلبك». حصل شويري على دور شاب يجلس على الدرج، ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. في هذا الوقت، انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى»و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه.

«الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارت التي يمكن أن تعيشها في حياتك. جلس منصور خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. غنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها: منذ اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا». وهكذا كان. أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحيّة «بياع الخواتم» عام 1964، وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السّبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقَّعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم»...

«لم أكن أعرف التمثيل، بل كنت أعيش لعبة الشخصيّة. المسرح أجمل من السينما، فيه شيء من القداسة. صرت أتنقّل، بين الرحابنة وروميو لحود وأنطوان غندور ووسيم طبارة وغيرهم. لكن كنت أشعر دوماً بأنّني في إجازة، وسأعود بعدها إلى مسرح الرحابنة. كنت أفتح المسرح صباحاً، وأبقى معهما في الـ«بوريفاج» حتى ساعات متأخرة. لا أعتقد أن أحداً من أولاد عاصي ومنصور عاش معهما أكثر مما عشت معهما أنا. لم أعرفهما غنيين، حتى أشعر بأنني سأصبح في يوم ما غنياً بدوري. مارسا طقوس الطفر وعلّماني ممارستها». لكنّ خلافاً مع الأخوين رحباني جعله يغادر مسرحهما إلى غير رجعة عام 1975، بالتزامن مع اندلاع الحرب الأهليّة. «الحرب مزقت كل شيء. مزقت أحلامنا وأول ظهور لنا كشباب وفنانين. مزقت الناس الذين تعرّفنا إليهم. مزقت الفرح كله». في السنة الأولى للحرب، قدم برنامجاً إذاعياً عبر أثير «صوت لبنان» بعنوان «يا الله»، ثمّ انتقل مع عائلته للعيش في بزمّار. ولاحقاً انتقل للغناء في حلب.

مع «بكتب اسمك يا بلادي» التي غناها جوزيف عازار، تحوّل شويري إلى أب حقيقي للأغنية الوطنيّة. وقف إلى جانب الشحرورة صباح على الخشبة في مسرحيّة «ست الكلّ»، ولحّن لها أول أغنية «تعلا وتتعمّر يا دار». وفي الإذاعة اللبنانية، حيث صنّف ملحناً منذ عام 1966، كتب أغاني لوديع الصافي، مثل «زرعنا تلالك يا بلادي»، ثمّ صار عضواً في جمعية المؤلّفين الموسيقيين.

على أبواب السبعين، يراجع إيلي شويري حالياً مجموعة من أعماله. وبالاتفاق مع إحدى الشركات، سيعيد إنتاج نحو مئة أغنية، منها أعمال مسجّلة بصوته، ومنها ألحان جديدة. أكثر ما يحزّ في نفس إيلي شويري هو عدم امتلاكه مجموعته الغنائية كاملة وتبلغ نحو 1500 أغنية، معظمها من تلحينه. في هدوء الليل، وحده الاستماع إلى القرآن بصوت المقرئ مصطفى محمود، يمكن أن يخفّف عنه.

5 تواريخ

1939

الولادة في الأشرفية (بيروت)

1964

أول دور بارز له مع الرحابنة في مسرحية «بياع الخواتم»

1973

كتب ولحن «بكتب اسمك يا بلادي» بصوت جوزف عازار، ثم «تعلا وتتعمّر يا دار» بصوت صباح

2008

شارك فيروز في إعادة عرض مسرحية «صح النوم». وفي العام التالي، شارك في فيلم «سيلينا» المقتبس عن مسرحية «هالة والملك» للأخوين رحباني

2010

يراجع مئة من أعماله لإنتاجها من جديد

تعليقات: