\"الست أم حسن بلقيس العبدالله\".. ما عسانا نقول في أربعينك؟

المرحومة أم حسن بلقيس العبدالله
المرحومة أم حسن بلقيس العبدالله


ها قد انقضى أربعون يوم على وفاة المرحومة الحاجة "الست أم حسن"، (17/08/2010م) تغمدها الله بواسع رحمته ورضوانه، الوقع كان أليما والجرح أخاله بليغا لكل من عرفها، أو حتى لمن سمع بها، لأن المرحومة لم تكن تلك الانسانة العادية التي مرت مرور الكرام في هذه الدنيا الفانية، بل تركت "الست أم حسن" ورائها ذلك الأثر الطيب والسمعة العطرة، ومثال يحتذي به لما يمكن أن تكون عليه المرأة في مجتمعنا الشرقي، دون أن تتخلى عن تقاليده الأصيلة وأعرافه النبيلة، حتى أن أسمها وصفاتها دخلت في أدبيات المجتمع الخيامي، فكثيرا ما كان يتردد أسمها بين ألسنة نسوة الخيام مثالا في العزة والأنفة والكرم والجود والسخاء، والأصالة، منطوقا بها قول شاعر الأجيال المتنبي، حين يقول:

يا أُخْتَ خَيرِ أخٍ يا بِنْتَ خَيرِ أبِ ... ... كِنَايَةً بهِمَا عَنْ أشرَفِ النّسَبِ

نشأت "الست أم حسن" في بيت عز وإباء، وتربت على أصول ديننا الحنيف ومناقبه الأثيرة، فهي رحمها الله، كانت قد جمعت المجد من طرفيه، فوالدها هو وجيه جبل عامل الفذ، طيلة النصف الأول من القرن العشرين، المغفور له بإذنه تعالى "خنجر أفندي الحاج حسين عبدالله"، (1886م – 1953م)، ومن الطرف الأخر، فإن جدها لأمها، هو فقيه جبل عامل، العلامة المرحوم "الشيخ عبد الحسين الشيخ إبراهيم صادق" (1862م – 1942م) قدس سره الشريف.

نهلت "الست أم حسن" العلم مبكرا سواء من خلال مدرسة الإرساليات التي تواجدت في بلدتها الخيام في عشرينات القرن المنصرم أو من خلال مدارس جديدة مرجعيون حاضرة القضاء، فغرست تلك المحطات التربوية حب العلم لديها والذي أثمر وأينع في فلذات كبدها، حيث تخرج الأول مهندس مقتدر، والثاني نال إجازة في الحقوق والثالث أصبح طبيبا معروفا.

اقترنت المرحومة "الست أم حسن"، بالقاضي الشرعي المغفور له "الشيخ عبدالله الشيخ حسن نعمه" قاضي شرع صيدا السابق للمذهب الجعفري، ولكن حياتها معه لم تدم طويلا، حيث كان لها القدر بالمرصاد، فأخذت على عاتقها تربية أيتامها وكرست حياتها لهم، ونذرت أيامها ولياليها من أجل تربيتهم وتعليمهم، وكان لها ما أرادت، حيث يكفيها فخرا أن نجلها الأوسط "الشيخ حسين" تقلد منصب رئيس المجلس الأعلى للجمارك اللبنانية، فكان أول من تقلد هذا المنصب من الطائفة الشيعية.

عرف عن المرحومة "الست أم حسن"، نبل الأخلاق، وشيم الكرام، وعرفها أهلها ومحبيها، بالكرم الأصيل والسخاء الجم، فكانت تهتم بالصغير وتوجب الكبير، فقد كان بيتها في النبطية مقصد كل عابر سبيل من أهلها ومعارفها، سواء في الذكرى السنوية لإقامة مشاعر واقعة عاشوراء، أو أثناء تأدية الطلبة للامتحانات الرسمية (السرتفكا والبريفية، ودار المعلمين)، حيث كان منزلها يعج بجموع الأهل والأقارب، وتقوم على رفادتهم هي والمرحوم زوجها وأبنائها الكرام على خير وجه، وبمنتهى الحفاوة والترحاب، وعلى العكس من ذلك، فكانت تعتب أشد العتب على كل من يقصد النبطية ويتوانى عن زيارتها.

رغم زواجها المبكر وانتقالها للعيش قي بلدة النبطية، ولم تنسى "الست أم حسن" بلدتها الخيام، فكانت تشارك في الأفراح وتواسي في الأتراح، لم تتخلف عن أي ذكرى، ولم يلحظ غيابها عن أية مناسبة، حتى في أيام شيخوختها العصيبة، كانت تصر على تمضية جزء من الصيف في بلدتها الخيام وخاصة بعد التحرير المظفر في عام (2000م).

أما في المعارك الانتخابية التي خاضها مظفرين السادة أشقائها؛ الوزير والنائب والسفير السابق حسين العبدالله في دورة (1951م)، والنائب الأسبق ممدوح العبدالله في دورتي (1964م و1968م)، فكانت "الست أم حسن" في قلب الحدث، تسدي الرأي والمشورة هنا، وتحث النساء على المبادرة هناك، وتختمها باستقبال جموع النسوة المهنئين بالفوز والانتصار بعد النجاح المبين.

لكن الأيام لم ترحمها والقدر لم يتركها، فقد فجعت "الست أم حسن" في مساء يوم الجمعة الموافق (28/04/1978م) باستشهاد شقيقها البكر السفير السابق الشهيد "حسيب العبدالله" (...) فسودّت الدنيا في عينيها وبكته بدل الدمع دما، واحتسبت أمرها إلى بارئها، راضية بقدر الله وقضائه، مفوضة إلى الله بالقصاص العادل من أولئك (...) في دار الدنيا قبل حكم الآخرة، لأن قضيته لا زالت معلقة في أرجاء المجلس العدلي اللبناني منذ 32 سنة من غير أي حراك، منزوية في سجل الجرائم المؤجلة والتي لم يبث بها المجلس العدلي إلى الآن.

فإلى جنة الخلد دارك "يا ست أم حسن"، والى مصاف الصديقين والأولياء مستقرك، يا بنت الأكرمين الأجاويد، وأم النجباء الصالحين، فمثالك قليل ما يجود علينا الزمان بمثله، يا من كنتِ للعنفوان عنوان، وللشهامة نبراس، وللكرم دليل هدى، ورحمة من الله عليك ورضوانه إن شاء الله تعالى.

أحمد مالك عبدالله

Ahmad59@yahoo.com

تعليقات: